بقلم: عبد النبي التليدي (… ولا تبغ الفساد في الأرض، ان الله لا يحب المفسدين ) القصص الآية 77 ومن اصدق من الله قيلا ؟ نظرا لنا صار يعتمل وبشدة داخل المجتمع المغربي من مظاهر لا قبل لجل افراده بها بعد ان فرقت بينهم السبل في التعاطي معها وفي تحليل أسبابها وفي مدى الاصطفاف حولها إلى حد التفريط و الإفراط . ولانها مظاهر ليست من شيم المغاربة ولا فيها نفعهم بالمرة ، بل هي اكثر ضررا من غيرها بهم لان إثارها وخيمة على النسيج الاجتماعي وخطيرة على تماسكه اليوم و غدا ، بعد ان أضحت تهدد معتقدات الناس وتمس بدينهم وبمقدساتهم وتجد بكل الوسائل ، لأنها مدعومة في الداخل ومن الخارج ؛ لتحليل ما حرم الله وتحريم ما احله بمسوغ سياسي وبدعوى الغاية تبرر الوسيلة ، وتؤثر على الأخلاق والقيم التي كانت مصدر فخر واعتزاز بها على مر التاريخ ومن أسباب دوام الأمة وبقائها لان الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا حسب قول الشاعر المرحوم احمد شوقي.. وحيث أن الجميع مقتنع بدور السياسة السائدة في ما الت اليه الأوضاع وبكونها السبب الرئيس و المسؤول عن تلك المظاهر المشينة التي ما فتئت تتجدر في واقع أصبح اسنا بعد تخلي الدولة عن أدوارها الأساسية في حماية مبادئ واسس المجتمع من الآثار التي خلفها الاستعمار المباشر ، وما يزال يعمل بوسائله على تكريسها ودعمها بشتى الأشكال.. هذه الدولة التي رفعت يدها عن التربية الصالحة وعن التعليم العمومي و الثقافة الجادة والهادفة ، واقصت المثقفين والمفكرين ودعمت ووجهت الاعلام الرسمي التوجيه السيئ الذي افسد الأذواق ونشر الرذيلة وتبنى العبث والتجهيل.. وبالنظر إلى ما للسياسة والاخلاق من ارتباط إلى حد ايماني وغيري كثير من الموصوفين بالمثالية ومن الساسة الافاضل والأساتذة الأجلاء الذين نهلت وجيلي من نبل أخلاقهم ومن.صدق دروسهم في الوطنية ، بكون السياسة أخلاق . رأيت أن أكتب عن واقع الحال وعن تصوري مستقبلا لتدبير الشأن العام بعد رفع حالة الطوارئ الصحية، في موضوع الأخلاق والسياسة نظرا لأهميتها القصوى في ذلك التدبير. فاقول ان الأخلاق هي مجموعة من القيم والمبادئ المعنوية وعادات فاضلة وتقاليد في الاحترام تطبع سلوك الفرد في المجتمع الإنساني وداخل البيئة التي يعيش فيها مما يجعله يؤثر فيها وتؤثر فيه، وهي قيم ومبادئ روحانية تتسم بالطهرانية أصلها ديني في الغالب أو مما تآلف الناس عليه سلوكا ومعاملة فيما بينهم تحض على الخير والحب والعدل والكرم والتعاون والعمل والإجتهاد والعلم… وقد تصبح فنا بعد أن أصبحت تربية. أما السياسة فهي من ساس يسوس سياسة أي تدبير الأمور سواء كانت شخصية أو عامة بكياسة ولين دون إكراه أو عنف وعناد كمن يعمل على توجيه المياه المتدفقة في التربة توجيها هادفا وصالحا بغاية أن نستفيد منه كل التربة فتؤتي أكلها الطيب، وبذلك فهي تدبير لمصلحة ما أو مصالح عامة أو فن إدارة المجتمعات الإنسانية. فهل من علاقة بين الأخلاق والسياسة؟ مادامت الأخلاق قيم ومبادئ إنسانية نبيلة وطاهرة والسياسة سلوك للإنسان في تدبير المصالح، فإن العلاقة بينهما ارتبطت ارتباطا وثيقا منذ القدم إما إيجابا أعطت الخير والسلم عندما خضعت السياسة لمنطق الأخلاق والمبادئ فيه اهتمام كامل أو على الأقل شبه كامل بالصالح العام فيسود العدل والإنصاف في المجتمع الذي يؤطره ميثاق جماعي يحفظ الحقوق ويهتم بالواجبات، أو سلبا ينتج الشر ويؤدي الى التنازع والحرب ، عندما تخضع السياسة لمنطق الغنيمة والعمل من أجل المصلحة الخاصة فيسود الظلم والغبن في مجتمع لا يحترم فيه التعاقد الاجنماعي والتوافق السياسي أو يوجد. بالاحرى “خارج التغطية” مثل قانون الغاب حيث يكون البقاء فيه للأقوى والصيد فيه للغالب ، بعد از يغيب المستبد فيه كل القيم الإنسانية والمثل الخيرة كي يديم امتيازاته ويحمي مكاسبه ؛ فتعم أخلاق الخنوع والذل والدجل والوشاية مثلما قال الكواكبي: “الإستبداد يقلب القيم الأخلاقية رأسا على عقب.. ويعين الأشرار على إجراء غي نفوسهم آمنين من كل تبعة”. وحيث أن السياسة سلوك مرتبط بالإنسان الذي تغويه الماديات ، والأخلاق قيم ومبادئ روحانية غالبها ديني مصدرها الله عز وجل ، فإن العلاقة بينهما لم تكن دائما في خطين متوازيين بل صارا متعارضين في كثير من الأحيان، لأن (.الإنسان رغم تظاهره بالمثالية والسمو فإنه شجع وشرس وخواف أي أن له حاجات بيولوجية ضاغطة يميل إلى تحقيقها، وهي حاجات لا تقبل التأجيل أو التسويف أو الأشياع الرمزي لأن علاقة الإنسان بالإنسان علاقة ذئبية وصراعية وحربائية ) حسب تعبير الدكتور محمد سبيلا ، الذي لاحظ أيضا من خلال تجليات الأخلاق والسياسة في المغرب ( أن السياسة بالمغرب وصلت في السنوات الأخيرة إلى مستوى منحط أخلاقيا وسلوكيا وحتى لغويا أي أنها ارتبطت بمبادئ الكسب والغنيمة بدل الأخلاق والمبادئ، وأن الواقع السياسي انحدر إلى حد الإسفاف، لذلك فضل المثقف أن يبقى ملاحظا للمشهد دون تورط فيه ) حسب تعبير الأستاذ أيضا. ومما لا يخفي على أي ملاحظ مهما كان مستوى وعيه بالسياسة ومقارنتها بالأخلاق فإن لا علاقة أصبحت بينهما ؛ فالأخلاق صارت جزء من الماضي بل نوعا من الغباء وضربا من التخلف لدى أغلب من يحبون أن ينعتوا بالساسة وما هم بساسة لأن السياسة أخلاق في الأصل قبل أن تصبح لعنة بعد أن قيل فيها وفيهم “لعن الله الساسة والسياسيين” نتيجة لما آل إليه الواقع السياسي بسبب سلوكياتهم المشينة والبعيدة عن الأخلاق ،.سواء كأحزاب ومجموعات أو كأفراد. فالواقع السياسي في المغرب أصبح في حالة يرثى لها ومدعاة للأسف والإحباط وعبارة عن صورة لا لون لها سوى خربشات سوداء لا قيمة لها أو ذوق لأناس لا معنى لهم ولا هدفا عاما وصادقا يتصفون به ، بل صادما في الغالب لشعب سئم مما يرى فارتفعت نسبة العزوف عن الانتخابات بعد أن تخلى عن المشاركة في الحياة العامة وأوقف شبابه الإنخراط في الأحزاب السياسية بعد أن انخرطت هذه في صراعات داخلية بين مكوناتها أدت إلى تصدع في صفوفها إلى حد الإنشقاق وإلى تباين حاد في المواقف والرؤى السياسة بل وإلى اختلاف في الإيديولوجيا التي كانت أصل منشأ الحزب الواحد ، بل إلى حد الانبطاح التام من أجل كرسي ذليل أو مصلحة خاصة أو ريع حرام دون أن أن يندى للمنبطخين جبين ! . والأمثلة على هذا ظاهرة للعيان في هذا الحزب العتيد وذلك الحزب التاريخ، والأسباب معروفة منها ما هو ذاتي يعود إلى الأفراد الذين غلبت عليهم الأنانية والرغبة في الوصول في أقرب وقت وبأسهل طريق ولو على حساب المصلحة العامة للوطن ، اما عن المبادئ الإنسانية والقيم الكونية والدين والاخلاق فلم يعد لها في قاموسهم وجود ، ومنها ما هو خارج عن إرادة الحزب وزعمائه لكنها سياسة تتماهى مع نفسيات وطموحات بعض ألمستفيدين من المناصب ومن الامتيازات ومن الرشاوي بأشكالها المختلفة ، والذين يسهل استغلالها فيهم وبالتالي توجيههم لتلك الإرادة السياسية وإخضاعهم لخدمة برامجها وأجندة أصحابها. وأيضا بعد أن انخرطت تلك الأحزاب في مشهد من الصراع بينها يثير الشفقة إلى حد الاحتقار والإشمئزاز إلى حد الغثيان دافعه إرادة التمكن والوصول إلى المؤسسات للإستحواذ على خير البلاد والعباد ؛ باعتماد أساليب لا أخلاقية وانتهازية غاياتها تبرر وسائلها بعد مسخ نظرية ماكيافيلي في الحكم ورغم أن أفلاطون قد ميز بين الفرد الذليل والمدفوع وراء أهوائه ونزواته عن الذي يصبو إلى قيم الخير والحق والجمال والعدل. فأين الأحزاب من واجبها الأخلاقي والدستوري في (تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام … وبصفتها احزابا تساهم في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية حسب دستور 2011 ؟ ! ). إن أصحابها في واد سحيق لا قرار له والشعب في واقع مر لا أمل له في كثير منهم. واين الدولة التي تفرض على الجميع احترام الدستور الذي تم التوافق عليه وتنفيذ مقتضياته بكل نزاهة على المسؤولين بما في ذلك ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب ؟ فهل تكون جائحة كورونا بداية نهاية لجائحة الفساد الذي صار خطيرا اكثر من اي زمن مضى على المغرب ، تلك الجائحة التي عرت على هشاشة الأحزاب وعلى ضعف الحكومة وعلى نموذج تنموي هو فاشل فعلا وعلى مغرب استثنائي في التدبير يعتمد على المبادرات الخاصة والإجراءات الآنية للملك كما رأى الجميع أثناء حالة الطوارئ الصحية التي اظهر فيها المغاربة التجاوب التام مع تلك الإجراءات وعن كثير من الوطنية وظهرت أثناءها امكانات في شتى المجالات اجتماعية واقتصادية غير محدودة التي من شأنها الدفع بالبلاد إلى وضع نموذج سياسي وتنموي جديد يفيد البلاد والعباد حالا ومستقبلا ؟ انه امل كل المخلصين للمغرب لا ريب فيه ..فهل يتحقق الامل ؟