شكل موضوع " الجرائم الدولية ضد الريف و حق الضحايا في جبر الضرر"، محور ندوة علمية، نظمتها جمعية أمزيان الثقافية، أمس السبت، بقاعة الندوات و العروض بالمركب الثقافي بالناضور، تخليدا للذكرى 55 لرحيل قائد حرب التحرير الريفية محمد بن عبد الكريم الخطابي "مولاي موحند" ، بتأطير من لدن ثلة من المختصين و الباحثين في شأن ملف حرب الغازات السامة و الكيماوية بالريف . واستهلت الندوة، بكلمة من رئيس الجلسة، حيث رحب بالحاضرين و شكر الاساتذة المحاضرين على تلبية دعوة قبول الخوض في شعار الندوة الذي يعتبر ملفا حساسا و راهنيا وجب فتحه و مناقشته بكل جرأة سياسية لكشف المستور على جزء مهم من تاريخ الريف الذي بقي مندرجا ضمن المسكوت عنه رسميا ، و أكد في ذات الكلمة الافتتاحية أن سياق الندوة يأتي ضمن الفعل الإشعاعي للجمعية المتعلق بإعادة الاعتبار لرموز و ملاحم المقاومة مؤكدا أن ابن عبد الكريم الذي يعتبر مدرسة عالمية في التحرر و الانعتاق لا يزال عرضة للتضييق و الحصار الممنهج فيما يسمى بالتاريخ الرسمي الذي يحتاج لاعادة الكتابة بأقلام وطنية و علمية، مشيرا أن عدم إرجاع رفاته مثلا يعتبر انتقاصا بأمجاد الرموز الوطنية ككل و تعبيرا سياسيا عن رفض جعل الخطابي يحظى بالمكانة الاعتبارية التي تليق بأمجاده و تضحياته . أما الباحث في تاريخ الريف الأستاذ اليزيد الدريوش، فقد تطرق ضمن مداخلته لعرض كرونولوجي لجرائم حرب الغازات السامة و الكيماوية، مشيرا أن استعمال الاسلحة غير التقليدية ابتدأ مباشرة بعد معركة جبل العروي و الفيض و أن محاولة إبادة ثورة ابن عبد الكريم بدأت في مرحلة مبكرة و لم تنحصر في مرحلة 25-26 ، متطرقا إلى استعراض الاماكن التي اعتبرت قواعد حربية لانطلاق الطائرات الاسبانية المكلفة بمهمة امطار الريف بالغازات الكيماوية مستندا على مجموعة من المصادر التاريخية و الشهادات المعززة لطرحه ، و أعلن ان الوثائق التاريخية اثبتت ان معدل الوفيات نتاج القصف الجوي وحده حُصرت في 50 حالة يوميا منذ 1921 و هو رقم مهول. وتعرض الاستاذ اليزيد بالتحليل المفصل في العلاقة بين اثار الغازات الكيماوية و الاصابة بالسرطان المتفشي في كامل الريف استنادا على مجموعة من تقارير المنظمات الدولية التي تعنى بالصحة ليفند الزعم الرسمي الذي يتم ترويجه على لسان المسؤولين المغاربة الرامي الى نفي العلاقة بين تأثير هذه الغازات و السرطان مناديا في الأخير الى ضرورة تسمية الاسماء بمسمياتها و الاقرار ان الريف تعرض و لا يزال لحملة تأديب رسمية مشيرا الى ان التعامل مع مطالب حراك الريف و هول الاعتقالات و العقاب جراء المطالبة بمطالب بسيطة يثبت ان لا شيء تغير في تعامل السلطة مع الريف و داعيا الى اطلاق سراح كل المعتقلين . من جهة ثانية استهل مصطفى بنشريف الدكتور في القانون و المحامي بهيئة وجدة ، و صاحب كتاب " الجرائم الدولية و حق الضحايا في جبر الضرر .. حالة الريف 1921_1926" ، مداخلته بقراءة قانونية للجرائم الدولية وفق منظور القانون الدولي ، موضحا الفرق بين جرائم الحرب و الجرائم ضد الانسانية. و أكد الدكتور بنشريف أن حرب المقاومة تعتبر مشروعة من منطلق القانون باعتبار أن معاهدة الحماية تعتبر تنازلا رسميا من السلطان عن الدولة و لذلك فمقاومة الدخيل تبقى شرعية ما دام الشعب لم تتم استشارته في قبوله او لرفضه لتتحول الوصاية عليه الى جهة اخرى دون صفة التعاقد، و انبهر الحاضرون بخلاصة المتدخل عند القول أنه بعد اطلاعه على جزء من الارشيف العسكري الفرنسي توصل الى خلاصة أن الخطابي كان بامكانه غزو و اخضاع اسبانيا لولا فرنسا بأكملها لما كانت المقاومة تتمتع به من وهج و قوة ، مؤكدا أن فرنسا تتحمل المسؤولية الكبرى لما حدث باعتبارها المشرف و المهندس الرئيسي لجريمة الحرب الكيماوية بالريف . الدكتور بنشريف الذي عرف عنه خوضه القانوني المستميت في النقاش الاخير حول ظهير العسكرة الذي طالب حراك ريف بإلغائه، أكد ان هناك مداخل كثيرة للترافع و فتح ملف الحرب الكيماوية باعتبار أن الاثباتات المعززة للدلائل متوفرة بعد رفع السرية عن جزء من الارشيف الحربي الاسباني و الفرنسي و أن الامر فقط يقتضي جرأة سياسية في التعامل مع حساسية هذا الملف دون استخدامه ورقة ضغط و أداة ابتزاز سياسي ابتغاء لمصالح ما حسب قوله في اشارة مباشرة الى الاطراف التي استغلت هذا الملف للركوب و نيل مصالح ذاتية على حساب ثقل جرمي لا يزال الريفيون يدفعون ثمنه عبر تفشي المرض الخبيث وسطهم و الذي لا ينكر ارتباطه بتبعيات هذه الحرب الا واهم حسب بنشريف . أما المداخلة الثالثة فكانت لمحمد الغلبروزي الناشط الحقوقي و المدني و عضو التنسيقية العامة لمنتدى شمال المغرب لحقوق الانسان و صاحب أطروحة دوكتوراه في موضوع " اشكالية التسوية الاممية و الدولية للجنح للجرائم و الجنح الدولية .. حالة حرب الريف الكيماوية 1921_1926" ، ، الذي تطرق لصعوبات التقاضي عبر هذا الملف امام المحاكم الدولية ذات الاختصاص في البث في هكذا قضايا لمعيقات أبرزها قبول اطراف الملف في التنازع امام القضاء الدولي لاعتبارات اهمها مدى استعداد المغرب ليكون طرفا ادعائيا و موافقة الدول المتورطة الاخرى. وقال الغلبزوري أن المرحلة الاولى الواجب قطعها هي ضرورة ايفاء المغرب اولا للعهود الدولية المتعلقة بالعدالة الانتقالية و فتح ورش جاد و مسؤول يحترم الابجديات التي يستلزمها الامر اهمها معرفة الحقيقة الكاملة و رفع الحظر عن نقاش فعلي يحيط هذه المرحلة التاريخية بجرد المسؤولين و جبر ضرر الضحايا و الالتزام بعدم التكرار. وأشار أن المصالحة لا تقتصر على شراء آلام الضحايا بالتستر على الجلادين موضحا ان السلطة بالمغرب لا تزال غير مهيأة للقطع مع الماضي ما دامت تواجه حراكا اجتماعيا ذو مطالب مشروعة بمقاربة امنية و سياسة الحديد و النار ، كما استعرض بعض نماذج هذه المنازعات في دول امريكا اللاتينية كالارجنتين و تساءل عن امكانية التكييف بين المحكمة الامريكية لحقوق الانسان التي بثت في هذه القضايا و بين المحكمة الاوربية للعدل و حقوق الانسان في حالة رفع القضية امام انظارها