أبيدجان.. أخرباش تشيد بوجاهة واشتمالية قرار الأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي    فيدرالية اليسار يتضامن مع البرلمانية التامني في مواجهة الإسلاميين    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    ارتفاع النتيجة الصافية المعدلة لحصة مجموعة اتصالات المغرب إلى أزيد من 1.52 مليار درهم في الفصل الأول من 2024    رسميا.. الجزائر تنسحب من منافسات بطولة اليد العربية    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض        توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    المالية العمومية: النشرة الشهرية للخزينة العامة للمملكة في خمس نقاط رئيسية    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    مكناس .. تتويج 12 زيت زيتون من أربع جهات برسم النسخة 14 للمباراة الوطنية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    بحر طنجة يلفظ جثة شاب غرق خلال محاولته التسلل إلى عبارة مسافرين نحو أوروبا    ارتفاع أرباح اتصالات المغرب إلى 1.52 مليار درهم (+0.5%) بنهاية الربع الأول 2024    تظاهرات تدعم غزة تغزو جامعات أمريكية    غدا تنطلق أشغال المؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال    مطار مراكش المنارة الدولي .. ارتفاع حركة النقل الجوي خلال الربع الأول    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    المعرض المحلي للكتاب يجذب جمهور العرائش    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    إتحاد الصحفيين الرياضيين المغاربة بجهة سوس ماسة يُنظم ورش عمل تفاعلية حول مبادئ الصحافة الرياضية ( فيديو )    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    تحويل الرأسمالية بالاقتصاد اليساري الجديد    بوغطاط المغربي | محمد حاجب يهدد بالعودة إلى درب الإرهاب ويتوّعد بتفجير رأس كل من "يهاجمه".. وما السر وراء تحالفه مع "البوليساريو"؟؟    الدراجات النارية وحوادث السير بالمدن المغربية    عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش الاسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر من نتانياهو    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكرى سقوط غرناطة… آخر ممالك المسلمين في إسبانيا
نشر في نون بريس يوم 03 - 01 - 2019

عندما قال طارق بن زياد مخاطبًا جنوده، مقولته الشهيرة "العدو من أمامكم والبحر من خلفكم"، كانت تلك مقدمة لدولة أسسها المسلمون في قلب أوروبا، وبقوا فيها لثمانية قرون، وأسموها "الأندلس".
ووافق أمس، الأربعاء 2 يناير، ذكرى سقوط غرناطة، عاصمة الأندلس، التي دخلتها الجيوش الإسبانية بعد أن قصفت قصر الحمراء، عام 1491.
وأهل غرناطة مثلهم مثل سائر أهل الممالك الإسلامية الأخرى، كان فيهم الصالح والفاسد فصفحات التاريخ ممتلئة بنماذج للفجور أشد من ذلك، وليس في أوقات الانكسار فحسب، بل وفي عز مجد بعض البلدان الإسلامية، وأنا لا أناقش هنا قضية أخلاقية أو دينية، ولكن لأوضح أن الدول تسقط لأسباب كثيرة ومتعددة وليس فقط بسبب أخلاق أهلها أو بعدهم عن الدين، فهناك أسباب سياسية وأقتصادية وعسكرية وجغرافية تؤدي إلى إنهيار الأمم وربما كان تشكّل هذا التصور بسبب الخطاب الوعظي التاريخي.
عاشت غرناطة سنوات عديدة تعتمد على مساعدة ملوك بني مرين في المغرب ومع ضعف الدولة المرينية فقدت غرناطة أهم حليف لها في مواجهة الممالك النصرانية وكان سقوط جبل طارق بيد القشتاليين سنة 1462م ضربة عنيفة لمسلمي غرناطة، إذ حال ذلك دون وصول الإمداد من عدوة المغرب، وقل العون نتيجة ضعف الدولة المرينية التي انتهت في سنة 1464م بعد أن عاشت قرنين من الزمان تمد يد العون لغرناطة وحل محلها دولة فتية هي دولة بني وطاس لكنها لم تكن من القوة لتقوم بدور بني مرين ومن قبلهم تجاه نصرة الأندلس.
ومع اتحاد مملكتي قشتالة وأراغون بزواج إيزابيلا وفرناندو الثاني سنة 1469م زاد خطر المواجهة، فكثيرًا ما كانت النزاعات بين الممالك المسيحية في الشمال متنفسًا لمملكة غرناطة ومع فتح السلطان محمد الفاتح لمدينة القسطنطينية سنة 1453م تأججت مشاعر نصارى أوروبا تجاه المسلمين مما ادى إلى تدفق المتطوعة على الممالك النصرانية في الأندلس للقضاء على غرناطة المملكة المسلمة الوحيدة الباقية في غرب أوروبا وأعلنها البابا سيكتوس الرابع حربًا صليبية بل إنه أصدر قرارًا لإيزابيلا يمنحها فيه حق توزيع صكوك الغفران لتمويل الحرب على غرناطة. بالإضافة للقروض التي حصلت عليها من اليهود والإيطاليين والهولنديين والألمان نتيجة دعوة البابا سيكتوس الرابع والبابا انوصان الثامن من بعده فقد وفرا الدعم المادي لفرناندو وإيزابيلا للقضاء على الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الآيبيرية.
وفي نفس الوقت كان المماليك قلقين من قوة الدولة العثمانية الصاعدة فلم يستطيعوا فعل شيء لمملكة غرناطة، الدولة العثمانية نفسها لم يكن بوسعها إنقاذ مملكة غرناطة التي تبعد عنها آلاف الأميال دون المرور بأراضي الممالك الأوروبية او أراضي دولة المماليك وهذا كان شبه مستحيل.
ولكن للأسف لم يتحد المماليك والعثمانيون ولو مؤقتًا في سبيل إنقاذ غرناطة، ومع ازدياد هجمات القشتاليين فقدت غرناطة قواعدها البحرية واحدة تلو الأخرى مما افقدها الأمل في وصول أي نجدة من المغرب وشمال إفريقيا.
لا يشير العديد من المؤرخين لمعاناه أهل غرناطة جراء الحصار الذي دفعهم لأكل القطط والكلاب بعدما حرق القشتاليون حقولهم فتقطّعت بهم السبل، مما دفع حاكم غرناطة لذبح الخيول التي كان يستخدمها الجنود في القتال فلم يتبق منها سوى ثلثمائة فرس من أصل سبعة آلاف. كان حصار غرناطة اشد شراسة مما هو معروف حسب الدراسات الحديثة كما أن عدد القوات التي حاصرت غرناطة كان أضعاف عدد القوات الغرناطية.
وهكذا تختصر قصة سقوط الأندلس دون تسليط الضوء على حصار آخر ممالكه، وتروّج هذه الخاتمة المأسوية بمقولة أنتشرت على لسان عائشة الحرة عندما قالت لابنها عندما ألقى نظرة الوداع الأخيرة عند الموضع المسمى زفرة العربي الأخيرة ابك كالنساء ملكًا مضاعًا لم تحافظ عليه كالرجال.
يذكر الكاتب ليوناردو بيلينا أن الملك أبي عبد الله لم يبك عندما غادر غرناطة، ولم تقل له والدته الجملة الشهيرة (إبك مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال) وما هي إلا من وحي خيال المؤرخ أنطونيو دي غيفارا أسقف قادش ومجرد أكذوبة، وذلك في صيف سنة 1526م حيث أراد تلميع صورته في أعين الإمبراطور شارل الخامس الذي كان في غرناطة لقضاء عطلة بمناسبة زواجه. وما يؤكد أن هذه القصة ليس لها أساس من الصحة أن أبا عبد الله لم يمرّ عبر الطريق القديم بين غرناطة ومتريل، بل إنه توقف مرة واحدة لمشاهدة غرناطة من بعض المرتفعات الجبلية للبدول من باب المنار وتوجه بعدها إلى أندرش عن طريق البشرات، أما من زفرة المورو ذاك الموضع الذي يعرف بزفرة العربي الأخيرة فلا تمكن رؤية الحمراء من هناك أصلًا، كما أنه من غير المعقول ان تقرع عائشة الحرّة ابنها بهذه الطريقة أمام جنده ومرافقيه في هذا الرحيل المؤلم. فضلًأ عن إشكالية أخرى حول اسم والدته، هل هو فاطمة أم عائشة. وهذا التوضيح ليس تقليلًا من حجم كارثة سقوط غرناطة الذي استحق البكاء ولكن الأقرب لسير الأحداث التاريخية أن هذه المقولة مجرد زهو من الأسبان بالانتصار.
وعودة لما حدث قبيل تسليم غرناطة، إذ اجتمع أبوعبد الله الصغير بقواده ووزرائه الذين أقنعوه بضرورة التسليم وأنه لم يعد لديهم ما يدافعون به عن المدينة، فقد ذبحت الخيول التي كان من الممكن الاعتماد عليها في الهجوم، ولن يستطيع مائتا ألف غرناطي تحمل الحصار القاتل أكثر من ذلك، ومع سقوط مالقة القريب وانتقام فرناندو بوحشية من أهلها لم يجد أبو عبد الله الصغير إلا ان يسلّم المدينة ويعمل قدر المستطاع على توفير الحياة الكريمة للغرناطيين وتأمين حياتهم وأموالهم وعبادتهم من خلال معاهدة تسليم غرناطة التي وللأسف نقضت بعد أعوام قليلة وفي هذا السياق تقول الباحثة الإسبانية مرثيدس غرثيا أرينال ان القارئ المتمعن لبنود هذه الاتفاقية يمكن أن يرى الوجه الآخر، لعله الوجه الحقيقي لأبي عبد الله الصغير الذي يظهره كمفاوض كفء وصلب في ظل ميزان قوى لغير صالحه.
وهنا اتذكر خشية الخليفة عمر بن عبد العزيز على مسلمي الأندلس حتى إنه هم بإجلاء أهلها عنها لبعدها عن بلاد المسلمين وقربها من ممالك العدو، فلا يجب أن نغفل الأسباب الجغرافية لسقوط غرناطة مع سواها من الأسباب الاقتصادية والسياسية والعسكرية فضلًا عن اتحاد النصارى وتشرذم المسلمين، فماذا سنقول اليوم إذاً عن احتلال فلسطين التي تقع فى قلب الأمة الإسلامية سوى أن الفلسطينيين باعوا أرضهم! وكيف سنروي غدًا ما يحدث اليوم في سورية؟ طوبى للأندلسيين والفلسطينيين والسوريين وكل المسلمين الذين خذلناهم مرارًا على صفحة التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.