تعيش مختلف الولايات والمدن الجزائرية على وقع احتجاجات عارمة ضد عزم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشح لرئاسة البلاد لولاية خامسة رغم وضعيته الصحية الحرجة والتي كانت أحد أهم أسباب اندلاع هذه الاحتجاجات. وبدأت هذه الاحتجاجات بمسيرات صغيرة يشارك فيها بعض النشطاء السياسيين المعارضين لنظام الحكم الجزائري، قبل أن ينضم إليهم باقي شرائح المجتمع، خاصة طلبة الجامعات الذين أظافوا لهذا الحراك زخما كبيرا. وأمام هذه الاحتجاجات التي وصل صداها إلى الدول المغاربية والعربية بصفة عامة وتجاوزت الحدود؛ كثرت التساؤلات حول مصير هذه الاحتجاجات وما إذا كانت تنبئ بربيع عربي جديد، وسيطرة الجيش الجزائري على البلاد. كل هذه التساؤلات يجيب عنها أحمد نور الدين، الخبير في شؤون الصحراء، في حوار له مع موقع “نون بريس”: جواب: سؤال مجانب للصواب لسبب بسيط وهو أن الجيش الجزائري متدخل في الشأن السياسي منذ البداية، وهو الفاعل الحقيقي في الشأن السياسي الجزائري منذ الانقلاب على صناديق الاقتراع في يناير سنة 1992، فالجيش الجزائري هو صانع الرؤساء وهو المتحكم في اللعبة السياسية في الجزائر من بدايتها إلى نهايتها. ربما ما يحدث اليوم في الشارع الجزائري سيدفع الجيش إلى الاستقالة إن كان لا يزال في الجيش تيار وطني يقدم مصلحة البلد على مصلحة الجنرالات والمصالح الشخصية للمجموعة المتحكمة في مقاليد الحكم. وهذا يجعلنا نتساءل أيضا؛ هل ستدفع هذه الاحتجاجات بالجيش الجزائري إلى الابتعاد عن السياسة واحترام ظاهر الدستور الجزائري الذي يعطي للشعب السيادة ويعطي للأحزاب السياسية الكلمة الأولى في القرار السياسي؟ وهل ستدفع هذه الاحتجاجات الشعبية الواسعة في جميع المدن الجزائرية بالجيش إلى الانسحاب نهائيا من الحياة السياسية وتسليم مقاليد الحكم إلى المدنيين بالجزائر؟ وهل ستسمح هذه التظاهرات الشعبية بتقرير الشعب الجزائري لمصيره؛ لأنه ممنوع من تقرير مصيره منذ الانقلاب؟. ولهذا، نتمنى أن تُخرج هذه المظاهرات الجيش من العملية السياسية ويعود القرار السياسي بيد الشعب الجزائري وبيد قيادته السياسية. جواب: تضامن الشباب المغاربي عبر خروجه إلى الشوارع أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هو عام لدى الشعوب، وهذا دليل على أن المنطقة المغاربية أو المنطقة العربية بصفة عامة لا زالت وجدانيا موحدة، وأن ما يحدث في هذا القطر رغم الحواجز يتداعى له على الأقل وجدانيا وعاطفيا بقية الشعوب في المناطق الأخرى وهذا التعاطف هو مؤشر إيجابي على حيوية هذه الشعوب ويدفعنا ونحن مازلنا في فبراير شهر توقيع اتفاقية الاتحاد المغاربي في مراكش سنة 1989 إلى عدم اليأس من أن هذه الشعوب ستتوحد وستقرر مصيرها بيدها. ولن يكون هذا المصير إلا وحدويا في مواجهة التكتلات العالمية وعلى رأسها التكتل الأوروبي في الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط؛ لأن العالم اليوم أصبح عالم تكتلات وكل الكيانات الصغرى محكوم عليها بالاندثار، وإن لم تندثر فهو محكوم عليها بالتبعية المطلقة في كل شؤونها الاقتصادية والسياسية والثقافية واللغوية والدينية وكل المجالات ستكون تابعة بشكل مُخزي ومُذل لا يحفظ لها حتى الحد الأدنى الذي كان مكفولا للشعوب بعد موجة الاستقلالات الشكلية عن المستعمر السابق. أما فيما يتعلق هل هو ربيع عربي ثان، معروف أن هناك استقراء بسيط للثورات وعلى الأقل الثروتين الكبيرتين في أوروبا في القرنين أو الثلاثة الماضيين؛ حيث يتبين أن الثورة لديها مثل الزلازل تلك الهزة الكبرى التي لا تسقط أحيانا إلا العمارات والبنايات المتآكلة، ولكن تأتي الهزات الارتدادية التي تكون أكثر تأثيرا من الناحية العددية، وأنا أعتقد أن الموجة التي فجرها بوعزيزي (هو استقراء ومقارنة تاريخية بين ما يحدث في العالم العربي وبين الثورتين البلشفية والفرنسية ) كانت بمثابة الهزة الرئيسية بينما الهزات الارتدادية ستتوالى على الأقل خلال العشر سنوات المقبلة أي ستمتد إلى غاية 2030؛ حتى تحدث التغيير للبنيات الاجتماعية والسياسية والثقافية في هذه المنطقة، وربما هذا واضح في الموجة الثانية التي قد تكون بدأت فعلا في السودان وفيما يجري في الجزائر قد تقرأ على أنها الموجة الثانية لهذه الثروات أو تقرأ على أنها الهزات الارتدادية والتي أزعم من موقع المقارنة التاريخية مع ثروات أخرى أنها ستتوالى إلى غاية إحداث التغيير البنيوي في البنيات السياسية والثقافية والاجتماعية. أعتقد أن تخلف المنطقة العربية ربما يكون العامل الرئيس فيه هو نوعية الأنظمة السياسية التي كانت في معظمها ناتجة عن انقلابات عسكرية في الدول العربية تحت مسميات الثورات سواء كان ثورة الضباط الأحرار في مصر أو انقلابات حزب البعث في سوريا والعراق أو انقلابات الجيش في الجزائر أو في ليبيا التي حكمها العقيد القذافي أو حتى في تونس؛ حيث أن بنيات هذه الأنظمة السياسية سواء المدنية أو العسكرية كانت سببا في تخلف البلدان العربية دون استثناء من المحيط إلى الخليج، وهو تخلف مرتبط بالبنيات الثقافية والاجتماعية وما يحدث من تغيرات اليوم ينبؤنا بأن هناك تغييرات جذرية في هذه البنيات وتقدم الشعوب وانعتاقها من التخلف. جواب: بوتفليقة ليس هو من يصر على الترشح للعهدة الخامسة؛ الذي يصر في ترشيح بوتفليقة لعهدة خامسة هو ما يمكن تسميته ب”مافيا الجنرالات” المتحكمة في النظام الجزائري، إذ يستفيدون من كون أن هناك شبه رئيس أو رئيس صورة أو رئيس هيكل غير حقيقي يسمح لهم بالتحكم في مقاليد السلطة من خلف الستار ويسمح لهم في اقتصاد البلاد وفي الريع الذي تعطيه لهم إمكانيات النفط الكبرى والغاز الجزائري، وبالتالي التحكم في كل هذه الموارد الطبيعية باسم رئيس غير حقيقي وغير موجود، لأن الرئيس الجزائري وهذا ليس تجنيا على هذا الرجل ولا على النظام الجزائري، منذ 2013 دخل في غيبوبة وبعدما خرج منها أصبح لا يقوى لا على الكلام ولا على الحركة. ومن غريب الصدف هناك كلمة مسجلة بالصوت والصورة لبوتفليقة حينما كان في بداية عهدته الأولى سنة 1999 يتحدث فيها عن أنه لا يمكن للرئيس إذا فقد الأهلية الصحية أن يبقى في سدة الحكم، واليوم بحكم النص الدستوري الجزائري الرئيس بوتفليقة لا يحق له أن يبقى في سدة الحكم لأنه لا يقوى على الكلام وعلى الحركة، وبالتالي كيف يمكن لرجل لا يقوى على الكلام أن يعطي توجيهات أو يوجه خطابا أو يعطي تعليمات سواء للحكومة أو للجيش أو للمؤسسات الرسمية والدستورية في بلده. الجزائريون اليوم والمعارضة تتساءل من يحكم باسم بوتفليقة ومن يصدر هاته التعليمات والرسائل التي تُقرأ في التلفزيون الجزائري باسم الرئيس؟، وهو معروف أنه لا يستطيع التكلم، هل هناك جهاز يستقرئ أفكار الرئيس بوتفليقة ثم يحولها إلى رسائل؟ هذا رسم كاريكاتوري لهذا الرجل الذي في الحقيقة كان عليهم شفقة به وبحالته الصحية أن يتركوه يرتاح إلى أن يلقى مصيره الحتمي الذي هو مصير جميع الناس، ولكن اليوم فهو مجرد “كركوز” يتم تحريكه بالخيوط في المسرح وهي خيوط يمسك بها الفاعل الحقيقي الذي يعرفه الجزائريون ألا وهو المؤسسة العسكرية سواء في شقها الأركان بقيادة القايد صالح أو في شقها التاريخي المعروف بالاستخبارات العسكرية.