في أول خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء زعم الرئيس جوزيف بايدن أن الحرب قد انتهت "لقد طوينا الصفحة". وقبل يوم ضربت غارة أمريكية في شمال-شرق سوريا سيارة كان فيها على ما يعتقد ناشط في القاعدة. وقبل ذلك بأسبوع شنت الطائرات الأمريكية غارة على أهداف تابعة لحركة الشباب في الصومال، البلد الذي تصاعدت فيه الهجمات الأمريكية في الفترة الماضية. لم تعد هناك قوات أمريكية في أفغانستان ولكن حروب أمريكا مستمرة كما يقول مارك مازيتي في صحيفة "نيويورك تايمز". وجاء خطاب بايدن ليؤكد أنه أوفى بوعوده في طي صفحة الحروب التي لا تنتهي أو الابدية. وتزامن كلامه مع دفن آخر جندي أمريكي يقتل في افغانستان بمقبرة أرلينغتون الوطنية. وكان خطابه محاولة جديدة من رئيس أمريكي منذ هجمات 9/11 لكي يعطي صورة عن الحرب التي انتهت ويخفي وراءها حقيقة غير مريحة، وهي ان امريكا لا تزال تخوض معارك في كل أنحاء العالم. وفي رسالة أرسلها بايدن إلى الكونغرس في يونيو ذكر فيها كل الدول التي تنشر فيها الولاياتالمتحدة جنودها من العراق إلى اليمن والنيجر والفلبين حيث تشارك في مواجهة الجماعات المتشددة. وهناك أكثر من 40.000 جندي أمريكي في الشرق الأوسط، منهم 2.500 في العراق وبعد 18 عاما من قرار الرئيس جورج دبليو بوش غزو ذلك البلد. وهناك 900 جندي أمريكي في سوريا في مهمة بدأت عام 2015 أثناء إدارة باراك أوباما. وقال بايدن إنه سيقوم باستهداف الجماعات المتشددة في أفغانستان من قواعد عسكرية خارجها ورغم عدم وجود قوات أمريكية هناك. وقال النائب الديمقراطي عن ولاية نيوجرسي، توم مالينوسكي في شهادة هذا الشهر لوزير الخارجية أنتوني بلينكن "قواتنا لم تعد إلى الوطن، لنكن صريحين". و " قد نقلوا الى قواعد عسكرية في المنطقة لمواصلة نفس عمليات مكافحة الإرهاب بمن فيها أفغانستان". وقالت الصحيفة إن تمزق تنظيم "الدولة" إلى جماعات صغيرة في شمال إفريقيا وآسيا منح المخططين العسكريين الأمريكيين المبرر لمواصلة العمليات القتالية، كما جاء في رسالة بايدن الى الكونغرس. وقال بايدن إن معظم هذه المهام لا تحتاج إلى مشاركة قتالية، لكنهم قد يضطرون في بعض الأحيان للدفاع عن أنفسهم ضد التهديدات والهجمات. وتكشف البيانات التي نشرها البنتاغون نشاطا في الغارات ضد تنظيم "الدولة" في سورياوالعراق، مع أنها ليست بمستوى الغارات الشهرية التي كانت تشن عادة. ويقول مازيتي إن حرب الظل التي تشن من خلال الطائرات المسيرة وقوات العمليات الخاصة، هي جزء من الحرب على الإرهاب، كما في حربي العراقوأفغانستان. ولكن الرؤساء الأمريكيين حاولوا كل بطريقته تقديم هذه العمليات على أنها حروب نظيفة ومعقمة أو ما يسميها خبير الأمن القومي ميكا زينكو "تعريف طبيعة الحرب". وكرر أوباما دائما أنه ضد "وجود القوات الأمريكية على الأرض" وفي مناطق بعيدة من العالم، لكن إداراته استثنت عمليات القوات الخاصة، بشكل قاد المسؤولين الأمريكيين إلى التلاعب باللغة من أجل التقليل من الدور القتالي لهذه الوحدات. وفي عام 2015 أجاب أوباما ردا على أسئلة الصحافيين الذين تساءلوا إن كان إرسال القوات إلى العراقوسوريا تراجع عن تعهده بالا يرسل جنودا إلى الميدان، قال إن الرأي العام الأمريكي يعرف ماذا كان يعني بهذا التعهد و "أننا لن نقوم بغزو على طريقة العراق أو سوريا بكتائب تتحرك في الصحراء". وأطلقت البنتاغون على القوة الأولى المكونة من 200 جندي "قوة الاستهداف الاستطلاعية المتخصصة". وفي عام 2008، عندما أعطى جورج دبليو بوش أمره سرا لحملة مسيرات لمعاقبة القاعدة في باكستان، لم يتحدث علنا عن العمليات لأنها تمت من خلال العمليات السرية ل سي آي إيه. وكمرشح للرئاسة تحدث دونالد ترامب متشككا عن الحرب الباهظة الثمن في العراقوأفغانستان ولكنه استخدم لغة متغطرسة حول كيفية قصف تنظيم "الدولة"وإرساله إلى الجحيم. وقام في النهاية بقصف كل دولة قصفها أوباما كما يقول زينكو. ووصل بايدن إلى السلطة على بطاقة إنهاء الحروب الأبدية وقرر سحب القوات من أفغانستان برغم النقد الحاد من الحزبين. ولكن مسؤولي الإدارة أكدوا أن العمليات الأخرى مستمرة، وبالتحديد تلك التي لا تحتاج لنشر القوات الأمريكية وبأعداد كبيرة أو تلفت انتباه الإعلام. ويرى بعض المحاربين السابقين ألا فرق في هذا. ويقول النائب الديمقراطي عن ولاية أريزونا روبن غاليغو والذي كان جنديا في العراق: " يختلف منظور كل واحد عن الحرب" مضيفا و "من منظوري فأي شخص يطلق النار عليك، فهذه حرب". وقضى المسؤولون أشهرا في تحديد القواعد التي يتم فيها استخدام القوة خارج مناطق الحرب، وهي قواعد تم التساهل فيها أثناء سنوات ترامب، كما يعتقدون. لكن انهيار الحكومة الأفغانية السريع ومنظور عودة القاعدة إلى أفغانستان في وقت قريب أضاف بعدا جديدا. وفي الوقت الذي ناقش فيه المسؤولون بالبيت الأبيض فرض قواعد مشددة حول كيفية شن الغارات إلا أنهم بدأوا بمناقشة منح القادة العسكريين مساحة لشن هجمات في أفغانستان ومناطق أخرى تحتاج لغارات منتظمة. وتبنى 4 رؤساء أمريكيين طريقا جديدا في الحرب لأن الكونغرس وضع قيودا قليلة على كيفية شن الحرب. وتم الاستناد في معظم عمليات مكافحة الإرهاب حول العالم على قرار تفويض الحرب الذي منحه الكونغرس لإدارة بوش بعد هجمات 9/11. وانتقد المشرعون على مدى السنين استخدام الرؤساء قرار الكونغرس عام 2001 وهو "تفويض استخدام القوة العسكرية" ولتبرير العمليات العسكرية ضد الجماعات التي لم تكن موجودة قبل هجمات 11 شتنبر، ولم يحصل إجماع في الكونغرس على إلغاء او استبدال التفويض الذي مضى عليه أكثر من عقدين. وتوصلت الإدارات الأمريكية إلى أن الرأي العام الأمريكي لن يمانع عمليات عسكرية ذات مخاطر قليلة على الجنود الأمريكيين إلا في حالة حدث خطأ كارثي، مع أن الرأي العام يعارض حربا واسعة وطويلة كما في العراقوأفغانستان. وكانت الغارة الجوية التي قام بها الجيش الأمريكي قرب مطار كابول، مثال عن الخطأ الكارثي، ففي الأيام الأخيرة للوجود الأمريكي في أفغانستان استهدف الجيش الأمريكي ما قال إنها سيارة انتحارية، ووصف البنتاغون العملية بالصحيحة، لكن القيادة المركزية اعترفت لاحقا بأنها استهدف رجلا بريئا وعائلته. وانتهى الوجود الأمريكي في أفغانستان لكن التكنولوجيا التي عززتها ستستمر. وقال مالينوسكي "الطائرة بدون طيار في كابول ليست العمل القتالي الأخير لنا" و "لسوء الحظ فهي أول عمل في المرحلة المقبلة من حربنا".