دعا أكاديميون ومهتمون وسينمائيون مغاربة إلى النهوض بقطاع الفيلم الوثائقي، لما يمثله هذا الجنس الفني والإبداعي، من ركيزة أساسية في الهوية الوطنية والثقافة الإنسانية، ومن ذخيرة لامادية نفيسة، تحفظ الذاكرة الجماعية والثقافية للشعوب. كما شددوا في الندوة الرئيسة للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة حول الفيلم الوثائقي والذاكرة التاريخية، التي عقدت صباح يوم الخميس، على قيمة هذا الإبداع، في الخطاب السينمائي برمته، ومراميه النبيلة من اجل صيانة التاريخ، وبناء المستقبل لكل الأجيال. ولامست الدكتورة كريمة يحياوي في مداخلتها قضايا عدة ارتبطت بالخصوص، بأهمية المخطوط كسجل توثيقي في الذاكرة العربية والإنسانية، وقيمته التاريخية والحضارية في مختلف الأقطار العربية والإسلامية. وقدمت يحياوي بالمناسبة قراءة عالمة لفيلم(كنوز في بحر لجي) لمخرجه الدكتور احمد أعراب، وسيناريو كريمة يحياوي واسامة العمراني الخالدي، قراءة سلطت فيها الضوء على أهمية المخطوط المغربي والمخاطر التي يتهدد هذا الإرث الثقافي والحضاري من إهمال ونهب وتهريب. وكشفت النقاب في الفيلم عن فكرة وإعداد للدكتور عبد الله ابو عوض، وإنتاج شركة برودي، عن عدد من الأكاديميين والمتخصصين المغاربة والأجانب الذين شاركوا في هذا الفيلم الوثائقي، أبرزهم المؤرخ عبد الهادي التازي، وعبد الفتاح بوقشوش، وعيد الله ترغي، ونوريا مرتاس من جامعة مدريد، فضلا عن ايفان خميس من جامعة برشلونة الاسبانية وغيرهم. كما لامست في مداخلتها العديد من المحطات التي عرج عليها الفيلم، ومنها مكتبات الأسرة الصبيحية والبدراوية وداوون، ومكتبة جامعة القرويين التي تعد أقدم جامعة في العالم العربي والإسلامي، والتي تضم فيضا من الذخائر والنفائس، منها كتب لابن رشد وابن خلدون وابن طفيل، ونسخة من القرآن الكريم، كتبت على رق الغزال، والتي تعود الى القرن الثاني الهجري. فضلا عن جهود الدولة في صيانة هذا الكنز التراثي والثقافي، والذي لا يمكن للزمن أن يجود به مرتين. من جانبه أكد الأكاديمي عز المغرب معنينو، في مداخلته، أن ذاكرة الوثائقي في المغرب منذ الاستقلال، كانت في ضعيفة ومنعدمة في بعض الأحيان، فقط هم الأجانب الأوربيين، هم الذين كانوا يقومون ببعض المبادرات الخجولة فقط، دون مساهمة الفكر المغربي في ذلك، مبرزا ان الوقت الحاضر تدارك هذا النقص الحاصل في هذا المجال، وتم فيه رفع الحجر على الفيلم الوثائقي، وتوثيق التاريخ المحلي بطريقة مناسبة. ووقف معنينو كثيرا عند فيلم وثائقي يؤرخ لذكرى عودة السلطان محمد الخامس من المنفى، والتي اعتبرها، حدثا تاريخيا هز كيان الشعب المغربي، والصورة الوطنية الأبرز في التاريخ المغربي المعاصر لما لها من دلالات تاريخية كبيرة وعميقة. اما الدكتور عثمان اشقرا، فقد طرح في مداخلته، العديد من الأسئلة الأكاديمية والمفاهمية حول الفيلم والوثائقي والسينما التي ظهرة أول مرة عام 1895، والذاكرة التاريخية، وهي تساؤلات كما أوضح تنم عن نوع من القلق الوجودي والسوسيولوجي والفكري، كباحث في علم الصورة. ولامس في مداخلته مواضيع كثيرة، ارتبطت بالفيلم الوثائقي وارتباطه بالواقع، ومضامينه، وعلاقة الوثائقي بالتخييلي، والمدرسة التصويرية الألمانية والواقعية الجديدة، في مجال الفيلم الوثائقي، والذي قال "انه لم يستعد عافيته الا مع القرن ال 21، والذي أصبحت فيه السينما الوثائقية تحضى بالتقدير، بالعديد من المهرجانات وتفوز بجوائز قيمة. وعلى المستوى المغربي، قدم الدكتور اشقرا، عددا من التجارب المغربية في المجال، وذلك من خلال مخرجين أبدعوا في افلام متنوعة، من ابرزهم لحسن زينون، وسعد شرايبي وحكيم بلعباس ومومن السميحي، داعيا بالمناسبة الى تطوير الرؤى في هذا المجال، والاعتماد على الذاكرة والبحث في المخيال المغربي، من اجل أعمال لها قيمتها الإبداعية على المستويين المحلي والكوني. وعلى صعيد متصل تم تنظيم لقاء مفتوح مع الإعلامي خالد ادنون، الذي بسط بالمناسبة، تجربته الإعلامية في عدد من المحطات، فضلا عن رؤاه الخاصة حول الفيلم الوثائقي، مؤكدا ان الفيلم الوثائقي لا يجب ان يكون حرفة لمن لا عمل له. ودعا ادنون الى ضرورة النهوض الفيلم الوثائقي في العالم العربي، مبرزا انه ما يزال يفتقد والرؤية والإستراتيجية والوصول إلى تحقيق صناعة سينمائية وثائقية مبدعة قادرة على صيانة ذاكرة الأمة. كما شهد نفس اليوم، تقديم أطروحة حول موضوع "صورة المغرب في السينما الوثائقية الإسبانية الاستعمارية"، للباحث المتخصص في التاريخ والتراث القديم محمد القاضي، وذلك ضمن فقرة ماستر كلاس. يشار ان الدورة التي انطلقت الأربعاء وتختتم مساء السبت 27 دجنر الجاري، بحضور دولة اسبانيا ضيف شرف، تعرف مشاركة 16 فيلما من 13 دولة ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان.