تقرير يُظهر: المغرب من بين الوجهات الرخيصة الأفضل للعائلات وهذه هي تكلفة الإقامة لأسبوع    تفاصيل هروب ولية عهد هولندا إلى إسبانيا بعد تهديدات من أشهر بارون مخدرات مغربي    بعد نشر سائحة فيديو تتعرض فيه للابتزاز.. الأمن يعتقل مرشد سياحي مزور    مليلية تستعد لاستقبال 21 سفينة سياحية كبيرة    واش اسرائيل ردات على ايران؟. مسؤولوها اكدو هاد الشي لصحف امريكية واعلام الملالي هدر على تصدي الهجوم ولكن لا تأكيد رسمي    توقعات أحوال الطقس ليومه الجمعة    حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة    صواريخ إسرائيلية تصيب موقعا في إيران    "الكاف" يحسم في موعد كأس إفريقيا 2025 بالمغرب    المغاربة محيحين فأوروبا: حارث وأوناحي تأهلو لدومي فينال اليوروبا ليگ مع أمين عدلي وأكدو التألق المغربي لحكيمي ودياز ومزراوي فالشومبيونزليك    نظام العسكر حاشي راسو فنزاع الصحرا.. وزير الخارجية الجزائري تلاقى بغوتييرش وها فاش هضرو    خطة مانشستر للتخلص من المغربي أمرابط    بني ملال..توقيف شخص متورط بشبهة التغرير و استدراج الأطفال القاصرين.    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطالب بفرض عقوبات على الأندية الإسرائيلية    نصف نهائي "الفوتسال" بشبابيك مغلقة    "منتخب الفوتسال" ينهي التحضير للقاء ليبيا    رئيس "الفاو" من الرباط: نفقات حروب 2024 تكفي لتحقيق الأمن الغذائي بالعالم    "فيتو" أمريكي يفشل مساعي فلسطين الحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة    محركات الطائرات تجمع "لارام" و"سافران"    بوريطة: الهوية الإفريقية متجذرة بعمق في الاختيارات السياسية للمغرب بقيادة جلالة الملك    أساتذة موقوفون يعتصمون وسط بني ملال    ابتزاز سائحة أجنبية يسقط أربعينيا بفاس    طقس الجمعة.. عودة أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية    النواب يحسم موعد انتخاب اللجن الدائمة ويعقد الأربعاء جلسة تقديم الحصيلة المرحلية للحكومة    "أشبال الأطلس" يستهلون مشوارهم في بطولة شمال إفريقيا بتعادل مع الجزائر    بوركينافاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين اتهمتهم بالقيام ب"أنشطة تخريبية"    توثق الوضع المفجع في غزة.. مصور فلسطيني يتوج بأفضل صورة صحفية عالمية في 2024    إعادة انتخاب بووانو رئيسا للمجموعة النيابية للعدالة والتنمية للنصف الثاني من الولاية الحالية    "قط مسعور" يثير الرعب بأحد أحياء أيت ملول (فيديو)    مدير "الفاو" يحذر من تفاقم الجوع بإفريقيا ويشيد بالنموذج المغربي في الزراعة    غوغل تطرد 28 من موظفيها لمشاركتهم في احتجاج ضد عقد مع إسرائيل    ما هو تلقيح السحب وهل تسبب في فيضانات دبي؟    لماذا يصرّ الكابرانات على إهانة الكفاح الفلسطيني؟    الحكومة ستستورد ازيد من 600 الف رأس من الأغنام لعيد الاضحى    مطار حمد الدولي يحصد لقب "أفضل مطار في العالم"    مجلس الحكومة يصادق على مشاريع وتعيينات    نجوم مغاربة في المربع الذهبي لأبطال أوروبا    المغرب متراجع بزاف فمؤشر "جودة الحياة"    منير بنرقي : عالم صغير يمثل الكون اللامتناهي    تاجر مخدرات يوجه طعنة غادرة لشرطي خلال مزاولته لمهامه والأمن يتدخل    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    عزيز حطاب يكشف ل"القناة" حقيقة عودة "بين القصور" بجزء ثانٍ في رمضان المقبل!    تقرير دولي يكشف عن عدد مليونيرات طنجة.. وشخص واحد بالمدينة تفوق ثروته المليار دولار    أكادير تحتضن الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ    تنظيم الدورة الثانية لمعرض كتاب التاريخ للجديدة بحضور كتاب ومثقفين مغاربة وأجانب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    "نتفليكس" تعرض مسلسلا مقتبسا من رواية "مئة عام من العزلة" لغارسيا ماركيز    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال        قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    وزارة الصحة: حوالي 3000 إصابة بمرض الهيموفيليا بالمغرب    عينات من دماء المصابين بكوفيد طويل الأمد يمكن أن تساعد في تجارب علمية مستقبلاً    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



“التهيئة الحضرية وأوبئة البيئة عند ابن خلدون”
نشر في بريس تطوان يوم 25 - 01 - 2020

أولا:التهيئة الحضرية البيئية من مفاخر التاريخ العمراني
جدلية البداوة والتحضر قائمة ما وجد بشر،وذلك لأن الحاضرة هي من صنع الإنسان بامتياز ،كما أن المدينة تمثل أرقى ما توصلت إليه الأمم وبها تمايزت وتفاخرت وتطورت.
وحينما نريد أن نخطط لمدينة ما فينبغي علينا أن نأخذ في الاعتبار كل المقومات الحضارية والتراثية والثقافية للبلد الذي يحتضننا شئنا أم أبينا ،وذلك لما للوجود الحضري من ارتباط عضوي بالواقع البدوي ،وكيف لا وهو الأصل والمنبع والممد والمفيض على المدينة بمواده الخامة ومنتجاته الفلاحية والزراعية والحيوانية…
وبينما ينتقل البدوي من عالم الفلح والزرع إلى عالم التنوع والتشكل والكماليات يحدث حينذاك بالتوازي تطور في البناء والتمركز ووضع اللبنات للعمران الكفيل باستيعاب الروافد والمتنقلات والثقافات والعادات المختلفة لكي تستوطن جنبا إلى جنب في دائرة موسعة ومحصنة ومقننة تسمى المدينة.
ومن الأمور التي أهملناها في دراساتنا وبحوثنا ،ووليناها ظهورنا ،هو مسألة المدينة في التاريخ الإسلامي والمعايير التي كانت تعتمد لجعلها مقرا حضريا بامتياز ومهيأ تهييئا هندسيا واجتماعيا واقتصاديا ،هذا مع مراعاة الحالة البيئية للمدينة والمخطط الشامل والكفيل بضمان الحياة السعيدة والرغيدة والآمنة مع أنها صحية بامتياز.
يقول الكاتب الفرنسي موريس لومبار في كتابه “الإسلام في عظمته الأولى” واصفا الواقع المديني في العالم الإسلامي وخاصة في العصر العباسي:”ماذا نقول عن بغداد ،التي خلال عدد أقل من السنين من 762 إلى 800 انتقل عدد سكانها من بضع مئات…إلى ما يقارب 2مليون نسمة؟إلى جانب هذه التجمعات المدينية التي احتفظ معظمها بدوره كمدن كبيرة حتى عصرنا هذا،ثمة مراكز مدينية دب فيها النشاط من جديد وبلغ اتساعها وسكانها وتأثيرها أبعادا لم تكن معروفة حتى ذلك الحين…”ص110.
هذا التحول الهائل وبالرغم من الإمكانيات التقليدية التي كانت سائدة آنذاك جعلت من هذه المدينة مستقرا ومعاشا وتنوعا ثقافيا وعلميا وتجاريا وفلاحيا لا نظير له في التاريخ .وفي نفس الوقت كانت مدينة صحية يطيب فيها الماء والهواء ويقل الوباء والطاعون وما إلى ذلك مما كان يجتاح غيرها من المدن.
وكما هو مشهور عن ابن خلدون، باعتباره فيلسوفا وراصدا عمرانيا، بامتياز أنه أول من أسس علم الاجتماع بمفهومه العلمي واهتم بالعمران البشري وما يتسلل عنه من مظاهر وقوانين وأعراف وعادات ،في حين كان التركيز على نظرياته وآرائه حول الدولة وجدلية البداوة والحضر ،ولكن لم ينتبه الكثير إلى بعض الإلماحات الصحية والبيئية في تصوره للمدينة وكيفية الحفاظ على سلامتها ،باعتبارها عنصرا مهما جدا في دعم التنمية وتحصيل الاستقرار لدى المجتمع والدولة معا.
ثانيا:الأبعاد النفسية والصحية للتهيئة البيئية عند ابن خلدون
فلقد تحدث في الفصل الخمسين من المقدمة عن مسألة جد مهمة وخطيرة ألا وهي حصول المجاعات بالمدينة ووقوع الوفيات أكثر مما عليه الحال في البوادي.
إذ المجاعات تكون بسبب الاضطراب والتوقف عن الإنتاج الزراعي وهذا معقول وبسيط ،كما يكون سببها الاحتكار عند العوام ،باستثناء احتكار الدولة للحبوب ،فيرى أنه إيجابي في حالة اهتزاز الاستقرار لأنها تكون الضامنة للتوزيع العادل للمؤونة بين السكان؟
أما الوفيات فهي إما من جهة المجاعة وإما من جهة الأمراض المترتبة عنها .فالأولى فلاحية والثانية صحية .وهذه الأخيرة قد تؤثر على الأولى وتلغي دورها ،باعتبار العنصر البيئي والصحي أخطر من الاحتكار.
يقول ابن خلدون:”وأما كثرة الموتان فلها أسباب من كثرة المجاعات كما ذكرنا،أو كثرة الفتن لاختلال الدولة فيكثر الهرج والقتل،أو وقوع الوباء.وسببه في الغالب فساد الهواء بكثرة العمران لكثرة ما يخالطه من العفن والرطوبات الفاسدة ،وإذا فسد الهواء وهو غذاء الروح الحيواني ملابسه دائما فيسري الفساد إلى مزاجه،فإن كان الفساد قويا وقع المرض في الرئة.وهذه هي الطواعين وأمراضها مخصوصة بالرئة.وإن كان الفساد دون القوي والكثير فيكثر العفن ويتضاعف ،فتكثر الحميات في الأمزجة وتمرض الأبدان وتهلك…”.
فلقد وضع ابن خلدون هنا أصبعه على أهم عنصر مؤسس للمدينة، قبل أشكال المباني وقبل التخطيط لفرص العمل وتنشيط العمل السياحي وتشييد المؤسسات العامة والحكومية.كما أنه وبكل وضوح يشير إلى مرض السل أو الدرن ومعه الربو وما يليه ،الذي يجتاح كثيرا من المدن غير مهيئة بيئيا ولا تتمتع بالقدر الكافي من الأكسجين النقي ومعه أشعة الشمس ،وذلك حينما ركز على مرض معين هو أصل الأمراض البيئية ألا وهو مرض الرئة ،أي غياب التنفس السليم الذي سيؤثر لا محالة على صحة المواطن الجسمية وصحته النفسية معا ،لأنه بقدر ما ضاق التنفس ضاقت معه النفس والتفكير وساء الخلق وبدت مظاهر الاضطراب العصبي والهذيان وما إلى ذلك.كما تقول القاعدة الطبية:”الهواء النقي ينعش ويجدد العقل”l'air frais rafraîchit l'esprit.
لكن ابن خلدون لم يتوقف عند هذا الكشف الدقيق عن أمراض العمران البيئية وإنما سيذهب إلى اقتراح التهيئة الحضرية من الناحية الهندسية مع مراعاة الفضاء البيئي الكفيل بتزويد المدينة بنسبة كافية من الأكسجين مع ترك ممرات للهواء والشمس لكي تنعش المدينة وأهلها.
وهذا ما لاحظه على أهل فاس القديمة من حيث ميلهم إلى الغم والقلق على الرزق وما إلى ذلك.وفاس لها نفس المواصفات كما هي مدينة تطوان والتي لاحظت عليها شخصيا وإحصائيا ،وأنا من سكانها نشأة،بأنهم يكثر فيهم مرض السل والربو بشكل مثير مع الاستعداد للتشنج العصبي البيئي ،وخاصة عند توقف ما يعرف بالشرقي بين جبلي درسة وغورغيز ،وهذا ما يفسر تأسيس السناتوريوم(مستشفى الأمراض الصدرية) بقرية بنقريش خارج المدينة، في حين يوجد مستشفى الأمراض العقلية في أعلاها بجبل درسة.
والسبب في هذا هو ضعف التهوية وغياب الشمس كليا عن تلك المنباني القديمة،باستثناء البعض ذات الطابع الأندلسي، التي تكاد تشبه القبور بسبب الظلام الدامس داخلها والبرودة الرطبة كما وصفها ابن خلدون.وخاصة في أحياء مثل الملاح والساقية الفوقية وما يدخل من باب العقلة وباب الرموز وغيرها من الأبواب العتيقة.بحيث إن هذه البنية العمرانية لا تمت للحاضرة بشيء سوى أنها كانت من مخلفات زمن السيبة والتحصين ضد الغارات.
ولتفادي هذا الوباء يقول ابن خلدون:”ولهذا تبين في موضعه من الحكمة أن تخلل الخلاء والقفر بين العمران ضروري،ليكون تموج الهواء يذهب بما يحصل في الهواء من الفساد والعفن بمخالطة الحيوانات ويأتي بالهواء الصحيح.ولهذا أيضا فإن الموتان يكون في المدن الموفورة العمران أكثر من غيرها بكثير،كمصر بالمشرق وفاس بالمغرب…”.
ولولا خوف الإطالة لفصلنا الحديث عما يجري في مثل هذه المدن وأدلينا برأينا المتواضع حول الاقتراحات الممكنة لحماية البيئة وتجنيب المواطن ضريبة ضعف التهيئة واسترسالها بالرغم من التطور الكبير الحاصل في البلاد.لكن فيما أرى قد حان استدراك مثل هذه الحالات واتخاذ القرار حول بعض الأحياء القديمة عبر المدن، التي في نظري ينبغي أن تزال بالمرة وتستبدل بهندسة عمرانية موازية ومواتية للواقع الحضاري والتراث المعماري الأصيل ،ولا يليق أن تستغل وتهدر فيها الأموال بزعم أنها تاريخية وما إلى ذلك من مبررات لا تمت للتهيئة الحضرية بصلة،فالصحة والبيئة السليمة قبل كل شيء !!!…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.