مع استفحال تداعيات وباء كورونا، تصاعدت مؤخرا بمدينة تطوان ظواهر إجرامية مخيفة تورط فيها حتى بعض طلبة الجامعات أي النخبة المثقفة الحاملة لمشعل المستقبل، وهذا مؤشر خطير عن حدوث تحول نوعي ينذر بظهور شروخ عميقة وانهيارات بنيوية داخل النسيج المجتمعي وخلية الأسرة والمحيط العائلي. في عنوان هذا المقال استعملنا عبارة الانفلات "المجتمعي" ولم نرتهن إلى العبارة الشائعة والسهلة في التداول الإعلامي والصحفي والتي غالبا ما تركز عن الانفلات الأمني، وكأن مشكل صناعة الإجرام مجرد خلل قطاعي أو تقني داخل جهاز الأمن. بكل أمانة وتجرد وبعد اطلاعنا على العديد من الأخبار والمعطيات سواء المتعلقة بنشل الهواتف النقالة وتفشي ظاهرة الابتزاز الالكتروني، والنصب والإحتيال والسطو على المساكن وسرقة عجلات السيارات وغيرها من الظواهر الإجرامية تبين لنا بوضوح، أن البنية الاجتماعية خاصة بمدن الجهة الكبرى كتطوان وطنجة وبعض الدوائر الحضرية كالفنيدق والمضيق ومرتيل، أصيبت بشروخ خطيرة وعميقة. بداية، تحدثنا إلى بعض التجار والفاعلين الاقتصاديين خاصة العاملين في مجال السياحة، العقار النقل، المقاهي، المطاعم متعهدو الحفلات وكالات الأسفار الخ …. وجدنا كلهم يرددون عبارة واحدة "الدرهم مفقود" الكاش والسيولة منعدمة "المداخيل غير موجودة ونأكل من رأس المال "الخ. بعبارة أوضح إذا كانت الطبقة الميسورة نسبيا، أصبحت ترزح تحت نيران أزمة "كورونا" الاقتصادية الخانقة حيث كان هناك أشخاص يحققون 30 مليون سنتيم كربح شهري وأصبحوا الآن يعيشون ب 2000درهم في الشهر فكيف الأمر سيكون بالنسبة للطبقة التي كانت مواردها محدودة وتعيش يوما بيوم؟ للأسف الشديد؛ إن اقتصاد تطوان والنواحي بعد القضاء على المصانع الاسبانية التي كانت تُشغل اليد العاملة بكيفية مستدامة، وتدمير الحقول الفلاحية التي كانت تنتج الفلاحة المعيشية، وبسبب عقلية الربح السريع و"الهمزة" اتجه نحو قطاعات غير منتجة للثروة المستدامة، مثل العقار وتدوير فائض أموال المخدرات في مشاريع الواجهة، والأموال المتحصل عليها من مدينة سبتة سواء بواسطة التهريب أو العمل المنزلي والخدماتي، وكلها مصادر مالية هشة حيث كان من الطبيعي أن تكون هذه المصادر هي الضحية الأولى لضربة فيروس ّ"كورونا ". بناء عليه انعكس هذا الوضع على عينة الشباب سواء كانوا طلبة، أو منقطعين عن الدراسة والذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 سنة و 35 سنة ويسكنون في مناطق حضرية، حيث أصبحوا يشكلون وقود تفشي الجريمة بمختلف أنواعها بعد أن انهارت الأسرة وشبكات التضامن العائلي والمجتمعي ونضوب أموال التهريب بشقيه. باختصار يمكن القول، إن سياسة توسيع المدن على حساب الأراضي الفلاحية وتفريخ السكن العشوائي وتدمير أنماط الاقتصاد المعيشي البسيط وتعويضه باقتصاد الفقاعات والكورنيشات والتفاهات، ربما هو الذي أوصل المجتمع إلى هذه النتائج الكارثية وأن انتشار الجريمة بشكل مهول ما هو إلا مؤشر على كون التداعيات الاقتصادية لجائحة "كورونا" ستكون لها كلفة مجتمعية باهظة في القادم من الأيام. علاوة إلى ذلك يمكن القول؛ إن الانفلات المجتمعي في نظرنا جاء كذلك على شكل "توليفة " تجمع ما بين العامل الاقتصادي المتمثل في الهشاشة المزمنة والحرمان، إضافة الى عامل "سوسيوثقافي" يمكن أن نطلق عليه بنوع من التحفظ "القابلية للإجرام"،لأن الدلائل من أرض الواقع الملموس عند بعض الشعوب الفقيرة في الهند وبنغلاديش تفيد أن الفقر المدقع هناك لا ينتج عنه بالضرورة استفحال الظاهرة الإجرامية.