للعلم على الجهل سلطة كما للقوة والمال والشرف على ما دون ذلك, لكن سلطان العلم أعلاها وأشملها, ولذلك فسر بعض من تعرض لقوله تعالى: *يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإنسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إلاَّ بِسُلْطَانٍ* الرحمن 33.قالوا السلطان: العلم. وهل بلغت الإنسانية من المجد والسؤدد شيئا بدون العلم !؟ تلك قضية مسلمة لا حاجة للحديث عنها, إلا أننا اخترنا في هذا المقال الموجز الحديث عن سلطان الطيلسان لا عن سلطان السلطان, هذا الطيلسان الذي أسس سلطانه الأول قارون عندما قال :* إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي*.. القصص 78. وامتد هذا الشعور بين من يشتغل بالعلم من أساتذة وطلاب, ولم يتفطن لخطره إلا قلة منهم. فما هو الطيلسان؟ وما هو سرطانه الذي يمخره حتى يموت. الطيلسان: قديما كان العلماء يتميزون عن العامة بلباس خاص يسمى بالفارسية – الطيلسان – وهو شبيه ب-السلهام- الذي كان يتميز به علماء القرويين مثلا, إلا أن كلمة –طيلسان- كانت أشهر في الدلالة على ما يختص به العلماء من اللباس عمن دونهم كما يذكر الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله في كتابه – صفحات من صبر العلماء.. لكننا استعرنا من الكلمة معنى آخر خفيا وإن كان قويا, للتنبيه على أن العالم –والمراد به ههنا كل من يدبر قوت يومه بالعلم- قد يتميز أو بالأحرى يميز نفسه عن غيره بما يستطيعه من نفوذ اكتسبه من منصب ما أو جاه أو شهرة.., يمارس بكل ذلك أو ببعضه سلطة على من حوله أو من دونه, فتلك الممارسة هي: السلطان, والآلة التي ينفذ بها إليه هي: الطيلسان. فالأول معنى يكتسب شرعيته من الأرض عكس الثاني الذي يكتسب شرعيه من السماء, فكيف امتزجا وتلاحما بل كيف تحول العمودي إلى أفقي والأفقي إلى عمودي .؟ أ- السلطان معنى أرضي, أفقي: لأنه يعتمد على القوة المادية كما هو ظاهر في الإقناع مثلا: فهو إما أن يعتمد على الدليل الذي يخاطب الفكر أو الإكراه الذي يرهب صاحب الفكر فيستسلم رهبا لا رغبا. ب- السلطان معنى أرضي, عمودي: لأنه يعتمد على الاستعلاء, ونمثل له بالإقناع أيضا: فالمتكلم يلقي بالدليل إلى الغير على جهة التساوي والتعاون بينما يلقي المتسلط بأمره إلى الغير على جهة الاستعلاء والتفاضل, مستغلا نفوذه. ج- السلطان معنى أرضي, حجري: يعتمد على الإكراه والقمع, فصاحب الدليل يسلك في إقناع الغير مسالك تجلب رضا هذا الغير, بينما صاحب السلطان يسلك في الإقناع مسالك تكتسي صبغة الإكراه والقمع كأن يذكر بمكانته فيقول: ) سلم بكذا, لأني أرى كذا ( أو ) لأني لا أقول شيئا إلا وهو صحيح..( أو يلجأ إلى التخويف والاستفزاز والاستهزاء أحيانا.. وبالجملة فالسلطان قوة أرضية استعلائية وازعة تنزل بالإنسان إلى مقام الحيوان, بينما الطيلسان في أصله قوة سماوية تخاطب وجدان الإنسان وعقله وتسمو به إلى ما يستحقه من مقام الاستخلاف في الأرض. فكيف تحول وانقلب الطيلسان المحمود إلى سلطان مذموم.؟ ليس يهمنا في هذا المقام أن نذكر أسباب هذه الظاهرة بقدر ما يعنينا التنبيه إلى وجودها أو بالأحرى التحذير من خطرها الذي يهدد حياة العلم والعلماء المخلصين والطلبة النابغين, عسانا أن نتصدى لها, فننعم بأمان الطيلسان ووقاره ونستبدل بالعنف الحوار وبالإقماع الإقناع وبالاستعلاء التواضع وبالجهل العلم وبالكره الحب وبالسلطان الطيلسان. أسامة المودن طالب باحث بماستر العقيدة والفكر في الغرب الإسلامي كلية أصول الدين جامعة القرويين –تطوان- [email protected] http://www.facebook.com/osama.elmoudden