تميز الاجتماع الأخير لمجلس الحكومة بكونه الأول من نوعه، بعد الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، وبكونه شكل لحظة الشروع في تنزيل التوجيهات والقرارات التي تضمنها خطاب العرش، كما كان من مميزات اجتماع مجلس الحكومة أن الأخيرة أعلنت، على لسان رئيسها والناطق الرسمي باسمها، أنه "ليس هناك عطلة للحكومة، وأن العمل الحكومي سيستمر"، بل ولوحظ أن الاجتماع نفسه أسفر عن المصادقة على مشروع القانون المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار. ومع ذلك، يبدو أن هناك سؤالا (وهو سؤال بريء بالطبع) يفرض نفسه، على مجموعة من المستويات، ويتلخص في مدى توفر حظوظ النجاح للبرامج والمهام المطروحة باستعجال، وبداية، لابد من القول بأن المفروض، في كل من يطرح مثل هذا السؤال، هو التطلع بصدق وإلحاح للنجاح وتحقيق الفوز لكل المطامح والأهداف التي تعود بالنفع على الوطن والمواطنين. وبالنظر إلى (المقدمات) المتوفرة، لا يمكن إلا التفاؤل بالنجاح في كسب رهان هذه المهام وتنزيلها على أرض الواقع، والتفاؤل هنا له عناصره ومرتكزاته الواقعية والموضوعية، ومنها بالخصوص: * أن خارطة الطريق التي رسمها الخطاب الملكي، قد حددت بوضوح الإطار العام وتوجيهاته الخاصة بالقضايا الأساسية التي ينبغي التركيز عليها والعمل على بلورتها في الأجل المنظور. * أن بوادر التعبئة المطلوبة ظهرت في حينه، ولاسيما مع الاستقبالات الملكية بالحسيمة وبطنجة، ومنها بالطبع الاجتماع الذي ترأسه جلالة الملك، يوم الأحد 29 يوليوز، والذي خصص للوقوف على تنفيذ التدابير التي تضمنها خطاب عيد العرش لهذه السنة. * أن مختلف المؤسسات والجهات المعنية سارعت إلى الإعلان عن التزامها وتجاوبها التام مع توجيهات خطاب العرش وترحيبها بما تضمنته، بما في ذلك الأحزاب السياسية، في الأغلبية وفي المعارضة، التي عبرت عن انخراطها ودعمها لمسيرة مواصلة الإصلاح والبناء. * مبادرة الحكومة بعقد اجتماع، يوم عيد العرش، خاص بالقطاعات المعنية بالاستحقاقات الواردة في الخطاب الملكي، حيث تقرر وضع برنامج تنفيذي في غضون ثلاثة أسابيع، على أن يتم رفع تقارير منتظمة إلى صاحب الجلالة حول سير العمل التطبيقي. ومع أهمية كل هذه المقدمات الإيجابية، وما تشكله من بواعث ثقة وتحفيز، يبقى كذلك أن التفاؤل لا ينبغي، في كل الأحوال، أن يحول دون الانتباه إلى كل ما يمكن أن يكون هناك من اختلالات ونقائص، أو تعثرات ومشاكل في هذا القطاع أو ذاك، فالبلاد مقبلة الآن على وضع قانون المالية للسنة المقبلة، واللقاءات أو المشاورات الأولية، التي جرت حول الموضوع، لا تنفي وجود إكراهات وصعاب قد تواجه الاقتصاد الوطني والمالية العمومية خلال العام القادم، كما أن وسائل الإعلام تحدثت قبل أيام عن وجود تناقضات في المعلومات الرسمية بخصوص المؤشرات الماكرو- اقتصادية، وحول مستوى عجز الميزانية، علاوة على الاختلاف الذي يظهر في التقديرات والتقييمات بين كل من المصالح الحكومية من جهة والمندوبية السامية للتخطيط من جهة ثانية. ثم هناك التطور المقلق لمعضلة البطالة وسوق الشغل، حيث تقارير وأرقام بنك المغرب تتحدث عن ارتفاع نسبة العطالة إلى 10،2 بالمائة إجمالا، وبشكل خاص في صفوف الشباب بالوسط الحضري، إذ تصل النسبة إلى أكثر من 40 بالمائة. فمثل هذه الإشكالات لا ينبغي الإغفال عنها مهما بدت (عادية) في أوضاع انتقالية كالتي يعبرها المغرب، ولابد من اليقظة تجاه كل ما يمكن أن يحصل من (فراغات) قد تستغلها الجهات المناوئة للطموح المغربي في زرع بذور الشك والتشكيك والإحباط، وهو، في كل الأحوال، ما لن يسمح به المغاربة، كما جاء في خطاب العرش، حيث قال جلالة الملك: "إن المغاربة الأحرار لن يسمحوا لدعاة السلبية والعدمية وبائعي الأوهام باستغلال بعض الاختلالات لتبخيس منجزات المغرب". وفي نفس السياق، لابد كذلك من الالتفات إلى أحد الأعمدة الأساسية واللازمة لإنجاح كل مجهود يبذل في مجال تدبير الشأن العام، ونعني به مسألة التواصل مع المواطنين المستهدفين ومع كل شرائح المجتمع وفئاته وفي كل المناطق، فالعمل التنموي، بمخططاته وبرامجه المرحلية والاستراتيجية، محتاج دائما لدعم المواطنين ولوعيهم بأهمية أهدافه، وبما يسعى إليه من تمكين جميع المواطنين من الحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية. فوعي المواطن وقناعته بصواب الاختيار هو حجر الزاوية في حشد الدعم والإسناد الضروري للعمل والتنفيذ والإنجاز، ومن هنا تأتي قيمة التواصل كآلية لاجتذاب اهتمام المواطنين ودفعهم، عبر كل جسور التواصل، نحو المشاركة والانخراط في أجواء التعبئة الجماعية المطلوبة لإنجاح خارطة الطريق أو الخطة التي أطلقها جلالة الملك بمناسبة عيد العرش. فالخطة الملكية تروم القيام بإعادة هيكلة شاملة للبرامج والسياسات الوطنية في المجال الاجتماعي والتنموي، وخطة بهذا الحجم وبهذه الأهمية، وبكل ما لها من أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية، مفروض أن يكون الجميع على وعي تام بما يجب أن تحاط به من: * برامج إعلامية منسقة تعتمد الأساليب الملائمة والمناسبة حسب مختلف شرائح المجتمع، وجعلها عنصرا فاعلا في التعريف بها واستيعابها. * تنظيم لقاءات ونقاشات عمومية تؤطرها كفاءات سياسية ومتخصصة في قضايا ومواضيع أوراش الإصلاح التي تركز عليها الخطة. * مساهمة الإعلام العمومي في تتبع سير العمل المبرمج في هذه الأوراش وتقريب المواطن من تفاصيله وما يعرفه من إنجازات، وما يمكن أن يحصل من صعاب إن كانت هناك صعاب. وعلى مستوى برمجة العمل والسهر على الإنجاز، فقد صرح رئيس الحكومة، خلال المجلس الحكومي بأن جلالة الملك حدد للحكومة مسؤولية محددة، ومن دون شك أنها مسؤوليات تفرض الحرص، كل الحرص، على الاضطلاع بهذه المسؤولية وإنجاز أهدافها بنجاح كامل، وكمقدمة لذلك بادرت الحكومة بعقد اجتماع خاص للقطاعات المعنية وقررت وضع برامج تنفيذية لأهدافها، وإحداث لجنة مركزية لتتبع تنزيل الخطة الملكية، كما التزمت الحكومة بالعودة إلى تقديم أو عرض برنامج العمل المدقق بهذا الشأن، وذلك في أفق الدخول المقبل. والدخول السياسي والاجتماعي المقبل يعني أيضا الدخول في مرحلة جديدة قوامها العمل المثابر من أجل تحقيق التطابق والانسجام المطلوب في مسار الإصلاحات التي عرفها المغرب، ولاسيما بجعل حصيلته الاجتماعية والتنموية في مستوى ما تحقق من خطوات كبيرة على المستوى السياسي والبناء المؤسساتي. وهذا الهدف، الذي رسمته التوجيهات الملكية، لابد له من شروط سياسية وتنظيمية ومجتمعية لخلق مناخ التعبئة الضرورية ليكون الأداء فعلا في مستوى الرهان، ولعل البداية تكون من إعادة ترتيب أوراق مختلف الفاعلين في الساحة السياسية، وفتح حوار وطني غايته حشد كل الطاقات الوطنية وتوفير المستلزمات التي تمكن بلادنا من إنجاز مهام وأهداف هذه المرحلة، ثم تفعيل مقتضيات الدستور وما توفره في مجال الديمقراطية التشاركية من فرص التعبئة والمشاركة الواسعة لإمكانيات وكفاءات البلاد، من مؤسسات وهيئات وفعاليات المجتمع، مع ترشيد المجهود والحكامة في إسناد المسؤوليات. ولاشك أن أنظار المواطنين والمتتبعين ستتركز، من الآن، على حركية القادم من الأيام والشهور وما ستعمله المواعيد والمحطات القادمة لأن الطموح كبير والمهام عديدة، ولأن الأمر يتعلق بإنجاز مشروع مجتمعي متكامل.