بمشاركة وازنة للمملكة المغربية، تتمثل في حضور جلالة الملك، تفتتح يومه الأربعاء، بالعاصمة الإيفوارية أبيدجان، القمة الإفريقية الأوروبية التي ستمتد أشغالها على مدى يومين، حيث ينتظر أن تشكل هذه القمة فرصة سانحة لإعطاء دفعة جديدة للعلاقات بين بلدان القارتين، وللمناقشة والتباحث حول قضايا حيوية تهم العديد من المجالات وميادين التعاون المشترك لمواجهة القضايا الساخنة على المستويات الإقليمية والجهوية والدولية. ومنذ الإعلان عن موعدها ومكان انعقادها، اهتم المغرب بهذه القمة وبنجاحها وما يمكن أن تسفر عنه من نتائج إيجابية يمكن أن تساهم في معالجة الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تحتم تنظيم مثل هذه اللقاءات. كيف لا وأن المغرب، ومنذ استعادة موقعه في مؤسسات الاتحاد الإفريقي، وهو يرفع صوت إفريقيا في المحافل الدولية، ويسعى في نفس الوقت إلى أن يكون جسرا بين أوروبا وقارته الإفريقية. وما توجه جلالة الملك إلى هذا البلد ثلاثة أيام قبل بداية هذه القمة، ومباحثاته مع الرئيس الحسن واتارا، إلا ترجمة فعلية لاهتمام جلالته بهذا الاستحقاق، وبتوطيد العلاقات مع قيادة جمهورية الكوت ديفوار وشعبها الصديق. وغداة التحضير للقمة التي تفتتح اليوم بأبيدجان، كانت هناك بعض النقاشات حول مشاركة المغرب من عدمها، بالنظر إلى إمكانية مشاركة جماعة البوليساريو أو الجمهورية الوهمية، في حين اعتبر المغرب أن نقاشا كهذا "في غير محله"، لأن الحضور في اجتماع متعدد الأطراف لا يعني، بأي حال من الأحوال، اعترافا بالبوليساريو. وهذا ما يلتقي تماما مع ما عبرت عنه أوساط الاتحاد الأوروبي وبعض مسؤوليه، كما هو الشأن بالنسبة للسيدة كاثرين ري، المتحدثة باسم اللجنة الأوروبية، التي صرحت بكل وضوح، في مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسيل، بأن موقف هذا الأخير هو عدم الاعتراف بالكيان الوهمي. هذا فيما الأنظار تتجه بكثير من الاهتمام إلى المشاركة المغربية، وذلك للحضور الشخصي لجلالة الملك، وما لهذا الحضور من وزن سياسي ودلالات بالغة الأهمية، وأيضا لكون بلدان القارة الإفريقية وقادتها المتعقلين، واعين كل الوعي بما يقدمه وسيقدمه المغرب من قيمة مضافة للعمل الإفريقي المشترك، وعلى طريق بناء شراكات اقتصادية وتنموية لفائدة شعوب القارة، وتعزيز مسار الديمقراطية وبروز إفريقيا الجديدة.. إفريقيا الصاعدة القادرة على تعبئة وسائلها وإمكانياتها الطبيعية ومواردها البشرية. والاتحاد الأوروبي، من جهته، كما يلاحظ من تصريحات جل أطرافه، لا ينظر إلى أهمية الحضور المغربي الوازن فقط من زاوية أدواره الرائدة في دائرة أوفاق سياسة الجوار، وإنما ينظر أيضا لهذا الموضوع من اعتبار مكانة المغرب في الفضاء الإقليمي، وعلى الواجهة الدولية والقارية، كشريك صادق ومحاور جاد وموثوق به في أقواله وأفعاله. وبمكانته وأدواره المتميزة هاته، لا شك أن المساهمة المغربية ستعطي قيمة مضافة لأشغال القمة ولنتائجها، خصوصا وأن المغرب، وسياسته الخارجية، أضحى معروفا بمواقفه المتزنة التي تجمع بين الحزم والموضوعية، وكذا بحرصه الشديد على التوازن في العلاقات الدولية، وبدفاعه العقلاني عن مصالح وحقوق إفريقيا، وفي نفس الآن عن القضايا العادلة عبر العالم، والعمل المتواصل من أجل السلم والتنمية المستدامة واحترام سيادة الدول وأمنها ووحدتها. بالإضافة إلى ذلك، فإن الموقع الجغرافي للمغرب، وعلاقته التاريخية، هو وبلدان إفريقية أخرى، مع أوروبا يؤهله للعب دور صلة الوصل بين هذه الأخيرة والقارة الإفريقية، ولتوسيع جسور التعاون والتبادل بين كل هذه البلدان. وسواء بالنسبة لإفريقيا أو أوروبا فتطوير وتوسيع قنوات التعاون، وبناء الشراكات المفيدة في مختلف المجالات، هو اليوم أمر حيوي وحاجة ملحة بالنسبة لكلا الطرفين، وخاصة بالنسبة لقضايا آنية ومتعددة الأبعاد، كالأمن والهجرة والبيئة وتمويل التنمية، وغير ذلك من الإشكالات والمشاكل العابرة للحدود والقارات. وسيشكل الحضور الملكي في القمة أقوى معين لتطلعات القارة الإفريقية التي قال عنها جلالة الملك، خلال افتتاح المنتدى الاقتصادي المغربي الإيفواري، بأبيدجان بالذات : "فقارتنا ليست في حاجة للمساعدات، بقدر ما تحتاج لشراكات ذات نفع متبادل، كما أنها تحتاج لمشاريع التنمية البشرية والاجتماعية أكثر من حاجتها لمساعدات إنسانية". وبعد أبيدجان سيكون المغرب حاضرا بثقله ورصيده الوازن في قمة أخرى بالعاصمة الطوغولية "لومي"، حيث ستلتئم، يوم 16 دجنبر المقبل، قمة دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا "سيدياو"، وهي القمة التي يرتقب أن تحسم في منح المغرب العضوية الرسمية في هذه المجموعة التي تضم 15 بلدا. وتشير كل المعطيات إلى أن قبول انضمام المغرب لهذا التكتل الاقتصادي الهام، أضحى شبه مؤكد وأن طريق العضوية الكاملة أصبح مفتوحا أمام المغرب، ومن المؤشرات الدالة على ذلك أن الاجتماع الأخير لقمة هذه البلدان "مونروفيا يونيو الماضي" قد أعطى الموافقة المبدئية على قبول الطلب المغربي وأن رئيس لجنة "سيدياو" سبق وأن أكد أن المغرب احترم كل مبادئ قبول العضوية. قبول المغرب ضمن بلدان هذه المجموعة سيفتح بكل تأكيد آفاقا جديدة أمام العمل الإفريقي المشترك من أجل إطلاق مبادرات ومشاريع جديدة للتنمية، وبالتالي سيتيح للمغرب الإسهام بشكل كبير في تنزيل شعار التعاون "جنوب جنوب"، وبلورة الرؤية الملكية التي تفيد بأن "المغرب يؤمن بقدرة إفريقيا على رفع التحديات التي تواجهها، وعلى النهوض بالتنمية البشرية لشعوبها، لما تتوفر عليه من موارد طبيعية، ومن كفاءات بشرية، غير أن تحقيق النهضة الإفريقية المنشودة، يبقى رهينا بمدى ثقتنا في نفسنا، وبالاعتماد على مؤهلاتنا وقدراتنا الذاتية، واستغلالها على أحسن وجه في إطار تعاون جنوب جنوب مربح وشراكة إستراتيجية وتضامنية بين دول الجنوب". هكذا، وفي صلب مثل هذه الاستحقاقات والمحطات الدولية والقارية يعطي المغرب إشاراته ورسائله القوية التي تهم إستراتيجية سياسته الخارجية المستمدة فلسفتها وتوجهاتها الأساسية من حكمة وتبصر جلالة الملك. ومن الطبيعي، وبفضل هذه الرؤية الملكية، أن يحظى المغرب بهذا القدر الكبير من التقدير والاحترام في كل المحافل الدولية والإقليمية والجهوية، وأن يكون صوتا مسموعا للقارة الإفريقية، ولكل القضايا العادلة عبر المعمور، وفي كل هذه الاستحقاقات وغيرها فالمغرب يؤكد مرتكزات سياسته القائمة على: * ثبات خياره الإفريقي نهجا وممارسة. * الوضوح والصراحة والوفاء للمبادئ السامية في رسم سياسته الدولية. * جعل مبدأ المساواة والاحترام المتبادل قاعدة للتعامل بين الدول. * الدفاع عن أمن الشعوب وسيادة الدول ووحدتها الترابية. * تقوية وتوسيع مجالات التعاون والشراكات على أساس المنفعة المتبادلة والمصلحة المشتركة، وتعزيز واستتباب الأمن والاستقرار.