"لقد سجلنا، ببالغ الاعتزاز، المشاركة المكثفة لسكان أقاليمنا الجنوبية، في الانتخابات الأخيرة، وهو دليل ديمقراطي آخر، على تشبث أبناء الصحراء بالوحدة الترابية، وبالنظام السياسي لبلادهم، وحرصهم على الانخراط الفعال في المؤسسات الوطنية، وهنا نؤكد، أن الشرعية الشعبية والديمقراطية التي اكتسبها المنتخبون الذين تم انتخابهم بكل حرية، تجعل منهم الممثلون الحقيقيون لسكان الصحراء المغربية، وليس أقلية تقيم خارج الوطن وتحاول واهمة، تنصيب نفسها، دون أي سند، كممثل لهم". من خطاب جلالة الملك في افتتاح دورة أكتوبر للبرلمان يوم 9 أكتوبر 2015 بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس بعد افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، يوم الجمعة الماضي، عاد مجلسا النواب والمستشارين، لاستئناف عملهما برسم الدورة الثانية من السنة التشريعية (2017 2018)، وذلك وفقا لمقتضيات الفصل 65 من الدستور. ونحن على يقين تام أن الفرق والمجموعات البرلمانية، سواء في الغرفة الأولى أو الغرفة الثانية، على وعي تام بما هو منتظر من المؤسسة التشريعية، في إطار برمجتها العادية، من الاهتمام بالقضايا الوطنية على مستوى التشريع كما على مستوى المراقبة، ومواكبة الأحداث والمستجدات. كما لا يمكن أن يغيب عن الذهن أن افتتاح الدورة الربيعية، لهذه السنة، تزامن مع التطورات الجديدة التي عرفتها، وماتزال تعرفها قضية وحدتنا الترابية على مستوى الاتصالات والمشاورات الجارية داخل أروقة المنتظم الدولي، وعلى حدود الأقاليم الجنوبية، وكذا من جهة التعنت الجزائري وإصراره على مواصلة مساندة الجماعة الانفصالية، التي ذهبت بها أهواء المغامرة إلى حد التلويح بإعلان منطقة (بير لحلو) عاصمة مزعومة للكيان الوهمي. وإزاء ذلك، فالمغرب بكامل شعبه ومؤسساته، قد يكون مضطرا إلى مواجهة كل الاحتمالات، وفي كل الأحوال يمكن الجزم، ومن الآن وكما ظهر في كلمتي افتتاح الدورة، بأن المؤسسة البرلمانية ستكون في مستوى التعامل الحازم مع كل التطورات، وهذا ما سبق أن عبرت عنه غرفتا البرلمان حين سارعتا، في حينه، إلى عقد جلسة عامة طارئة للتنديد بالاستفزازات والخروقات الغاشمة في المنطقة العازلة، ولما هب ممثلو الأمة إلى المشاركة الوازنة في فعاليات لقاء العيون وبيانه التاريخي الذي وضع النقط على الحروف. وفي مناسبة كهاته، لا بد من استحضار الخطاب الملكي في افتتاح دورة أكتوبر للبرلمان، يوم 9 أكتوبر 2015، بشأن مغزى المشاركة المكثفة لساكنة الأقاليم الصحراوية في الاستحقاقات الانتخابية، حيث قال جلالته: "لقد سجلنا، ببالغ الاعتزاز، المشاركة المكثفة لسكان أقاليمنا الجنوبية، في الانتخابات الأخيرة، وهو دليل ديمقراطي آخر، على تشبث أبناء الصحراء بالوحدة الترابية، وبالنظام السياسي لبلادهم، وحرصهم على الانخراط الفعال في المؤسسات الوطنية، وهنا نؤكد، أن الشرعية الشعبية والديمقراطية التي اكتسبها المنتخبون الذين تم انتخابهم بكل حرية، تجعل منهم الممثلون الحقيقيون لسكان الصحراء المغربية، وليس أقلية تقيم خارج الوطن وتحاول واهمة، تنصيب نفسها، دون أي سند، كممثل لهم". وفي أكتوبر 2014، أكد جلالة الملك على أهمية الدور المنوط بالدبلوماسية البرلمانية، منوها في نفس الآن بجهود السادة البرلمانيين، حينما قال جلالته: "لا يخفى عليكم ما يقتضيه منكم واجب الدفاع الدائم عن الوحدة الترابية للبلاد. وإننا نشيد بما تبذلونه من جهود صادقة في إطار الدبلوماسية البرلمانية والحزبية… وإننا لندعوكم لمواصلة التعبئة واليقظة للتصدي لخصوم المغرب". هكذا كانت التعبئة مطلوبة، وهكذا هي ماتزال مطلوبة، ولاسيما مع التطورات المشار إليها، ومع ما هو ضروري من مجهود ومبادرات من أجل تطويق الأطروحة الانفصالية وإنهاء هذه المناوشات العبثية. فللبرلمان بغرفتيه دوره ومهامه الأساسية في الدفاع عن القضايا الوطنية وفي تقوية إشعاع المغرب ومكانته على الساحة الدولية. فمناسبة افتتاح الدورة الحالية تتزامن أيضا مع مناسبة مرور 55 سنة على تأسيس البرلمان المغربي الحديث، بعد دستور 1962 وانتخابات 1963، وعبر هذا المسار راكم المغرب مجموعة من التجارب البناءة ذات قيمة كبيرة في مجال بناء المؤسسات التمثيلية وترسيخ الممارسة الديمقراطية، وذلك عبر الإصلاحات الدستورية، والأنظمة الانتخابية، وكذا من خلال التنظيمات الداخلية لمؤسسة البرلمان، والتي كان من أبرزها النظام الداخلي لمجلس النواب الذي صادق عليه هذا الأخير، شهر غشت من السنة الماضية، والذي يشكل "آلية دستورية أوكل لها دستور 2011، وظيفة تنظيم أشغال وممارسة السلطة التشريعية المخول لها دستوريا، سواء تعلق الأمر بتنظيم العلاقات بين أعضاء مجلس النواب أو بينه وبين السلطة التنفيذية وباقي المؤسسات الدستورية". ومنذ انطلاقة تأسيسه، بداية ستينيات القرن الماضي إلى اليوم، مر البرلمان المغربي بعدة تجارب ومحطات، في سعي متكامل نحو ترسيخ مؤسسات تمثيلية حديثة تقوم على الحرية والتعددية في ظل ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية. ويمكن القول، الآن وبعد أزيد من نصف قرن من الزمن، من التجربة والتراكمات الإيجابية، بأن البرلمان المغربي يعد عنوانا من عناوين بناء الصرح الديمقراطي الذي يحق للمغرب أن يعتز وأن يفتخر بكل مؤسساته الدستورية التي تعززت أدوارها ومصداقيتها عبر ممارسة ديمقراطية شفافة تعتبر نموذجية وفي مقدمة الدول الصاعدة. ومن هنا فقد كان من الطبيعي جدا أن يكون للقضية الوطنية حضورها القوي كنقطة مركزية في جلسة افتتاح دورة أبريل 2018، وأن يتم تسجيل بأن الحدث الأبرز بين الدورتين، هو"التعبئة القوية للشعب المغربي في صفوف جميع فئاته للدفاع عن وحدته الترابية وسيادته الوطنية في إطار جبهة متراصة وقوية تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس". كما أن المؤسسة البرلمانية، بغرفتيها الأولى والثانية، أجمعت مجددا على أن قضية وحدتنا الترابية تحتل الصدارة في الأجندة الوطنية، مجددة حرصها ودعمها للمواقف المبدئية حول هذه القضية المصيرية، ومنها: * الرفض القاطع لأي تغيير في المنطقة العازلة التي وضعها المغرب بشكل إرادي تحت مسؤولية الأممالمتحدة، مساهمة منه في التخفيف من التوتر. * أن أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب كإطار للتفاوض حول النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، هو مقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية تحت السيادة الوطنية. * أن ربح رهان تثبيت مشروعية القضية الوطنية بقدر ما يتطلب التعبئة وتقوية الجبهة الداخلية، بقدر ما يتطلب مواصلة البناء المؤسساتي وترسيخ الديمقراطية، وتعزيز الإصلاحات وتقوية المؤسسات وصيانة الحقوق ومواصلة تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتقوية مناعة النسيج الاقتصادي الوطني. هكذا نكون أمام نموذج رائد يضع الوحدة الترابية في مقدمة الأجندة الوطنية، وفي نفس الوقت يحرص على التدبير الكامل والناجع لبقية القضايا والمهام الموضوعة في جدول أعماله. والبرلمان أمامه جدول أعمال مكثف، فهناك 19 مشروع قانون ينتظر البت فيها، ومنها قانونا الأمازيغية والإضراب، والمنتظر منه كذلك أن يهتم بمقترحات القوانين، وهناك الجانب الرقابي، حيث تبرز العديد من القضايا التي تطرح نفسها، وهناك العلاقات الخارجية مع المؤسسات البرلمانية الأخرى، والعمل على صعيد المنتديات البرلمانية، كما هو الشأن بالنسبة للمنتدى البرلماني المغربي الإسباني الذي يلتئم هذا الأسبوع حول موضوع الهجرة، إلخ… إنه النموذج الذي يمكن من ترجمة القرارات والنداءات إلى وقائع، وكذلك بالنسبة لإعلان العيون، الذي كان من نداءاته: *التأكيد على ضرورة تضافر جهود الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الشعبية ممثلة بالأحزاب السياسية والبرلمان والنقابات وفعاليات المجتمع المدني للرفع من وتيرة التنسيق، وتنويع آليات التواصل مع المؤسسات المماثلة والجهات المؤثرة في اتخاذ القرار، لاسيما في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا وإفريقيا. * الدعوة إلى مزيد من تقوية الجبهة الداخلية ديمقراطيا وتنمويا واجتماعيا وتكريس تضافر جهود كل فعاليات وشرائح مجتمعنا لمواصلة التعبئة واليقظة، لإحباط كل أشكال المناورات الممنهجة والمتصاعدة التي يدبرها خصوم البلاد. * الالتزام بتشكيل جبهة سياسية للدفاع عن وحدتنا الترابية التي كانت وستظل محط إجماع شعبي وتعبئة شاملة، وفاء للتاريخ واحتراما لأرواح الشهداء والتزاما بنص وروح ومرامي قسم المسيرة الخالد، ولن تزيدها الأحداث وتحديات الخصوم والأعداء إلا تجددا ورسوخا. وعلى ضوء هذه التوجهات يتقوى العمل الوطني وتتعزز فعالية كل قواه في إطار استراتيجية منسجمة ومتكاملة بين كل أطرافها وفي كل جبهات الدفاع عن القضية الوطنية والبناء الاقتصادي والاجتماعي والتنموي.