يتأكد، يوما بعد يوم، أنه لا مجال أمام الحكومة سوى مواصلة جهودها من أجل خلق المزيد من التراكم، وتعزيز حصيلة أدائها وتسريع وتيرة العمل على جميع المستويات، ولاسيما منها تلك المتصلة بإنجاز الأوراش المفتوحة وتحقيق البرنامج المجتمعي، وكذا ما يهم الانتظارات والأسئلة المطروحة بشأن بعض الظواهر المجتمعية. هذا ما يستشف ويستنتج من كثافة جلسات العمل واللقاءات التي تركزت، خلال الأسبوع الماضي، على تقييم سير الأداء وتجويد إنتاجيته في العديد من القطاعات، وكذا في ما هو منتظر من خطوات وتدابير لإطلاق دينامية جديدة ومتجددة في مسار مشاريع التنمية والبناء الديمقراطي. كما يفهم من البيانات والمعطيات المعلن عنها، أن السلطات العمومية أضحت على قناعة تامة بأهمية التواصل والانفتاح على المجتمع، بل إنها تسابق الزمن لإقناع الرأي العام بأنها جادة في مد وتوسيع جسور التواصل نحو مختلف فعاليات المجتمع ومكوناته، وأن قول السيد سعد الدين العثماني بأن الحكومة (تعمل في صمت ودون ضجيج) لا يمنع من الاهتمام بهذا الجانب والاشتغال عليه. وهذا، أمر مهم باعتباره يمكن المواطنين والمتتبعين من الاطلاع على وضعية البلاد وسير العمل الحكومي في مختلف القطاعات. إن حضور فريق من العاملين بجانب رئيس الحكومة ومعه خمس مجلدات و1000 صفحة من الوثائق التي تستعرض حصيلة عمل الحكومة منذ تعيينها، مؤخرا، يدل على نيتها الصادقة بأن تكون أكثر شفافية ووضوح في ما يتعلق بحصيلتها السنوية وما ينتظرها من مهام أخرى، وهو ما يتزامن مع انكباب أحزاب الائتلاف الحكومي على إعداد مقترحات أحزابها بشأن مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، من جهته أعلن الوزير المنتدب المكلف بإصلاح الإدارة العمومية بأن تهييء (ميثاق المرفق العام) يوجد في مرحلته الأخيرة، قبل أن يعرض على أنظار المجلس الوزاري المقبل. وقبل كل هذا، لا ينبغي أن يغيب عن الذهن بأن هناك القضية الأولى… قضية الصحراء المغربية التي شدت الانتباه مرة أخرى، بداية الأسبوع الماضي، وبالذات في محفل اجتماع القمة 31 للاتحاد الإفريقي بالعاصمة الموريتانية. ففي ختام هذه القمة، وبخصوص قضية الصحراء، أعلن عن تشكيل لجنة رئاسية رباعية للمتابعة، وهو ما كان من الطبيعي أن يثير تخوفات حقيقية من أن يقع (ملف الصحراء) في أيادي العبث بالمنظمة الإفريقية. طبعا، من المعلوم أن وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي سارع، في حينه وبنواكشوط، إلى إعطاء التوضيحات التي تؤكد أن الأممالمتحدة تظل هي الجهة الحصرية التي تشرف على الملف، وبأن (حل نزاع الصحراء هو بنيويورك وليس بأديس أبابا)، على أن إثارة الموضوع في مقرر القمة بهذا الشكل إنما يحتم على المغرب المزيد من الحذر واليقظة، خاصة وأن هذا الأخير كان على وعي تام، حين قرر العودة، بأن أجهزة الاتحاد الإفريقي تكونت بها لوبيات ماتزال متمسكة بمواقف العداء تجاه المغرب وتجاه الطريق الأسلم لحاضر ومستقبل شعوب القارة وبناء إفريقيا الجديدة. وإن كان هذا الواقع أمرا معروفا لدى كل المتتبعين للموضوع، كما ظهر في العديد من المتابعات والقراءات الإعلامية، فإن الأنظار تتوجه الآن إلى ما يمكن أن تكشف عنه الأيام أو الشهور المقبلة، وبالذات حول ما إن كان المغرب قد نجح في التقليص من مربع تتبع الاتحاد الإفريقي لقضية الصحراء أم العكس؟، وطرح السؤال هنا لا يعني بأي وجه من الوجوه وجود أي تردد أو (فتور) في مواصلة المغرب لمعركته الوطنية المشروعة، دفاعا وانتصارا لقضيته الأولى، بل إن مدلول السؤال، ومعناه هنا، هو الحرص على استثمار صحة الموقف المغربي السليم من أجل تطويق الأطروحة الانفصالية، وجعل مختلف بلدان القارة إلى جانب الحق والمنطق السليم، حتى تتخلص إفريقيا من هذا العبء العبثي المتناقض وحقائق التاريخ والشرعية والمشروعية. ومعناه أن القضية .. قضية الصحراء المغربية تستلزم، هي الأخرى وربما أكثر من غيرها، الكثير من الجهد والاجتهاد على المستوى الإعلامي، وفي مجال التواصل والحوار المثمر عبر كل القنوات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، ومن خلال ابتكارات الدبلوماسية الموازية للهيئات السياسية والنقابية وفعاليات المجتمع المدني. كما أن قضية الصحراء المغربية تأتي في مقدمة القضايا التي يجب أن تنفتح الأطراف الوطنية على بعضها البعض بشأن تطوراتها، وأن تكون محط تشاور وتعاون مستمر وفاعل بين كل الأطراف السياسية، وصولا إلى ما يمكن القيام به من عمل جماعي ومبادرات مشتركة على مختلف الأصعدة تلتف حولها كل الفعاليات والقوى الوطنية، كما لا ينبغي أن يغيب عن البال بأن مدة التمديد للمينورسو تقلصت إلى 6 أشهر عوض سنة وما يفرضه ذلك من استعداد، لأن الأحداث تسير بوتيرة متسارعة ومتطورة. هذا، علما بأن مكانة القضية الوطنية، كقضية مركزية، لا ينقص في شيء من أهمية وقيمة القضايا الأخرى، ومنها المشار إليها أعلاه، أي: * قانون المالية للسنة المقبلة، فالمهمة تمكن من افتحاص وتقييم واقع مختلف القطاعات، والوقوف على النتائج كيفما كانت، والقيام بالتعديلات والتوازنات الضرورية. وميزانية الدولة محدودة، ولا يمكنها، في حجمها الحالي، أن تف بكل الحاجيات أو أن تغطي كل الاعتمادات اللازمة لهذا القطاع أو ذاك، ومع أن هناك متطلبات لابد من الاستجابة لها، وأن يكون القانون المالي بحس اجتماعي دون إغفال توفير الاعتمادات المفروض تخصيصها للاستثمار العمومي. * ميثاق المرفق العام، فوضع هذا الميثاق والعمل به، يعد من الدعامات الأساسية لإصلاح الإدارة وترشيد عملها، فورش الإصلاح الإداري لم يعد يحتمل الانتظار أو القرارات عديمة الجدوى، وقد سبق لجلالة الملك، وفي أكثر من مناسبة، أن نبه إلى ذلك، كما جاء في خطاب الذكرى ال 18 لعيد العرش، حيث قال جلالته :"إن من بين المشاكل التي تعيق تقدم المغرب، هو ضعف الإدارة العمومية، سواء من حيث الحكامة، أو مستوى النجاعة أو جودة الخدمات التي تقدمها للمواطنين". * إعمال قانون محاربة العنف ضد المرأة، وهو عربون على أن الآلة التشريعية تشتغل وتنتج، وأن النقاش والحوار الوطني، بين مختلف الفعاليات السياسية والمجتمعية له مردوديته في انسجام تام مع اختيارات البلاد الديمقراطية التي تكرم المرأة المغربية وتحفظ كرامتها وتقدر كفاءتها ومؤهلاتها الثقافية. هذه نماذج من القضايا التي تحتم ترسيخ فضيلة الحوار والنقاش الذي سيعطي، لا محالة، ثماره، ويوفر الأجواء الملائمة لمزيد من العطاء والبناء، سيما لما تتوفر الإرادة والعزيمة من أجل ذلك، وهي العزيمة التي جددت الحكومة (الأسبوع الماضي) التعبير عنها من خلال الإعلان عن التزامها بعرض شامل ونوعي للزيادة في أجور الموظفين، والرفع من التعويضات العائلية، والرفع من قيمة الدعم المباشر للأرامل والنساء المعوزات…، وتضمين قانون المالية تدابير داعمة لإحداث فرص الشغل، وتمديد الإعفاءات لفائدة مقاولات الشباب والحديثة النشأة… وبمثل هذه الإرادة والعزيمة يمكن للبلاد أن ترفع التحديات وتربح الرهانات مهما كانت الصعاب أو الاختلالات، وخير تعبير عن هذا التقدير نأخذه من خطاب جلالة الملك في افتتاح البرلمان، السنة الماضية، حيث قال جلالته : "إن الاختلالات التي يعاني منها تدبير الشأن العام ليست قدرا محتوما، كما أن تجاوزها ليس أمرا مستحيلا، إذا ما توفرت الإرادة الصادقة وحسن استثمار الوسائل المتاحة. وهذا الأمر من اختصاصكم، برلمانا وحكومة ومنتخبين. فأنتم مسؤولون أمام الله، وأمام الشعب وأمام الملك عن الوضع الذي تعرفه البلاد. وأنتم مطالبون بالانخراط في الجهود الوطنية بكل صدق ومسؤولية، لتغيير هذا الوضع، بعيدا عن أي اعتبارات سياسوية أو حزبية. فالوطن للجميع، ومن حق كل المغاربة أن يستفيدوا من التقدم، ومن ثمار النمو". نعم، بحشد كل الطاقات، وتظافر جهود الجميع، وتفعيل قنوات الحوار والتواصل بين كل المعنيين، والإنصات لكل الأصوات والفعاليات الجادة، وبتحمل كل الجهات والمؤسسات لمسؤوليتها على أكمل وجه… بكل ذلك نكون في مستوى إزاحة العوائق، وتجاوز الاختلالات، وتجسيد الطموح المغربي الكبير.