كما هو معلوم ان المغرب قرر العودة إلى التجنيد الإجباري بعد مرور حوالي 10 سنوات على إلغاءه،فالكل يعلم ان المغرب خاض أول تجربة في الخدمة العسكرية في ستينيات القرن الماضي وبالضبط سنة 1966، إذ أعلن آنذاك الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله بمرسوم ملكي تبني التجنيد الإجباري،و هذه الفترة كانت لها خصوصياتها فقد كان المغرب يعيش حالة استثناء التي أعلنها الملك الحسن الثاني سنة 1965 و استمرت 10 سنوات. فالإشكالية الرئيسية ما هي آفاق التجنيد الإجباري بالنسبة للشباب المغربي؟ قرر المغرب منذ سنة فرض التجنيد الإجباري،بعدما ألغاه سنة 2006، وجاء تجسيدا للإرادة الملكية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله،و بالرجوع للدستور الجديد(1) وبالضبط في الفصل 38 منه الذي يندرج ضمن الباب الثاني المعنون بالحريات و الحقوق الأساسية نجده ينص أن جميع المواطنات و المواطنين يساهمون في الدفاع عن الوطن و وحدته الترابية تجاه أي عدوان او تهديد. والملاحظ من خلال هذا الفصل،نجد أن المشرع المغربي يكرس مفهوم المساواة بين الجنسين في الدفاع عن الوطن، وهذا ما أكده القانون المتعلق بالخدمة العسكرية(2) الذي عزز لنا مفهوم المساواة، وهذه خطوة هامة نهجها المغرب بالمقارنة مع تجربة 1966 التي كانت مقتصرة فقط على الرجال دون النساء. لكن القانون الحالي جاء تماشيا مع الفصل 38 من الدستور الجديد،إذ لا فرق بين رجل و امرأة في الخدمة العسكرية،بل أكثر من ذلك نجد ان صاحب الجلالة في خطابه بمناسبة افتتاح البرلمان سنة 2018 يؤكد على ان الخدمة العسكرية ستكون بدون تمييز،و بقراءة متأنية لقانون الخدمة العسكرية نجده يحمل في طياته عدة مؤشرات نذكر ما يلي: *مدة التجنيد 12 شهرا. *ارتكازه على الشباب من 19 سنة إلى 25 سنة تجسيدا للإرادة الملكية التي تولي عناية خاصة بالشباب المغربي. *النص على إعفاءات مؤقتة او نهائية تحدد بنص تنظيمي،و الإعفاءات تكون إما بسبب عجز بدني أو صحب او إعالة الأسرة أو متابعة الدراسة. *تمديد مدة التجنيد إلى سن 40 سنة،و الموظفين بمختلف رتبهم و بعد انتهاء مدة التدريب سيعودون إلى مناصبهم الوظيفية. *تمتيع المتدربين بتغطية صحية و راتب يتقاضونه على التدريب. *لا يمكن للمحكومين بعقوبة جنائية او تتعدى 6 أشهر الخضوع للخدمة العسكرية. *في حالة امتناع الخضوع للخدمة العسكرية يعاقب بالحبس من شهر إلى 3 أشهر و بغرامة مالية من 2000 درهم إلى 5000 درهم. وبالتالي نلاحظ أن المشرع المغربي من خلال قانون الخدمة العسكرية ألزم الجميع إلى حدود سن 40 سنة بالتجنيد الإجباري بغض النظر عن الانتماء الطبقي. تساهم الخدمة العسكرية في تحلي الشباب بالمسؤولية والروح الوطنية،و بالتالي نلاحظ أنها تحمل بعدا وطنيا و في تكوين شخصية متوازنة قوية للمتدربين، وكما قال جلالة الملك في خطاب العرش سنة 2018:”…فالمغرب هو وطننا،و هو بيتنا المشترك،و يجب علينا جميعا أن نحافظ عليه و نساهم في تنميته و تقدمه…”. كما أن الخدمة العسكرية ستسرع في انخراط الشباب في المجتمع عبر اكتساب مهارات و خبرات تمكنهم من الانخراط في سوق الشغل او الانخراط بالمؤسسة العسكرية، ويصبحوا حينها خاضعين لجميع القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة الملكية، وبالتالي نلاحظ أن الخدمة العسكرية لها أبعاد أخرى بالإضافة إلى البعد الوطني. إذ نجد البعد الاقتصادي والاجتماعي، بحيث ستساهم في امتصاص البطالة و توفير مناصب شغل بالمؤسسة العسكرية وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني، وإبعاد الشباب من طريق الانحراف (المخدرات والسرقة مثلا) كما ستساهم في تقليص ظاهرة جديدة اصبحت منتشرة بكثرة وهي الإرهاب، إذ نجد أن معظم المنظمات الإرهابية أصبحت تستغل الشباب الفارغ فكريا وروحيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتنفيذ أجندتها الإرهابية، وبالتالي فالخدمة العسكرية ستساهم في تنوير فكر الشباب و تكوينه حتى لا يكون عرضة للتمويه من طرف المنظمات الإرهابية. فالخدمة العسكرية ركزت على فئة مهمة في المجتمع و هي الشباب بإعتباره عماد الوطن،كما ان جلالة الملك في خطابه بمناسبة ثورة الملك والشعب سنة 2018 خصص قسطا كبيرا للحديث عن الشباب وتشغيله. و في خطاب عيد العرش سنة 2018 قال جلالته:”…و الواقع أن الأحزاب تقوم بمجهودات من أجل النهوض بدورها إلا أنه يتعين عليها استقطاب نخب جديدة والعمل على تعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي لأن أبناء اليوم هم الذين يعرفون مشاكل ومتطلبات اليوم…” و بالتالي نلاحظ أن جلالته منذ اعتلائه العرش وتبنيه لمفهوم جديد للسلطة وهو يهتم بالشباب، وما التجنيد الإجباري إلا سياسة من سياسات الدولة من أجل شباب واعي مثقف نشيط و فعال في المجتمع. الهوامش: (1) الظهير الشريف 1.11.91 الصادر بتنفيذ دستور 2011،الجريدة الرسمية 5964 مكرر. (2) قانون الخدمة العسكرية 44.18. *باحث أكاديمي من طنجة