في أغرب وضعية يعرفها قطاع الإعلام بالمغرب، و طنجة على الخصوص. و على مدى السنين الطويلة - أربعة و عشرون عاماً- قضيتها في أحضان صاحبة الجلالة، متمتعا بحصانة السلطة الرابعة التي لم تزدني إلا محبة لمن سبقني في الميدان، و احتراما متبادلا بين عائلة جمعها القلم المحايد، و الفكر المتزن، و الغيرة على ميدان كان مجرد الانتماء إليه يعد مفخرة لا يعادلها شيء. عائلة من كبار الإعلاميين الذي بصموا صفحات الجرائد وميكروفونات الإذاعات ببصمات خالدة، لم ننساها لهم، ولن ينساها لهم الدهر أبداً. فَخْرُنا أن أسمائنا كتبت يوما بجانب أسمائهم، و أصواتنا أُسمعت رفقة أصواتهم. تمرسنا على أيديهم، وحضرنا اللقاءات بمعيتهم، وغطينا الأحداث تحت إشرافهم. فكانت أهم فترة في تكوين شخصية الصحافي التي نتقمصها اليوم، و أعلى مدرسة تتلمذنا فيها، و أهم مرحلة عشناها كمنتسبين لهذا الحقل النبيل، الذي صار مُدنساً بعدما كان مُقدسا، وأصبح المنتمون إليه بمن فيهم الشرفاء ينعتون من قبل من بأقبح النعوت، ويوصفون بأسوإ الصفات. من قبل من لا تربطهم بالصحافة سوى معرفتهم بالحروف الأبجدية. والهَضْرَة عْلِيكْ أَ بْنَادْمْ، انْتَ وْهَذَاكَ وْلاَخُورْ..! لم أرى ترديا كما هو حال مهنة المتاعب اليوم. ولم أكن أعرف قط معنى للانحطاط الأخلاقي لممتهني الإعلام كالذي نشهده في فترة ازدهار تجارة الحواسيب، و آلات التصوير الرقمية، و حِلاقة شويكة. و في عهد تناسل النوادي الصحافية، والرابطات، و النقابات..، و توزيع بطائقها المخططة بالأحمر و الأخضر على كل من فيه منفعة، مادية كانت أو حميمية، و حتى جنسية. فباتت الصحافة منتشرة في كل الأمكان، الإدارات العمومية، و الأسواق الشعبية، و النوادي الليليك، و الفنادق الفخمة، وفي بيوت المنعشين العقاريين، وأباطرة المخدرات، وعلى أَسِرَّة بائعات الهوى. إنها المواقع الساخنة بالأحداث على ما يبدو، لفئة كثيرة لطخت سمعة فئة قليلة بأفعالها المشينة. أسترجع ذكريات التسعينات، يوم كنا نحضر الندوات الصحافية على قلتها، و أستحضر الوقار الذي كنا نقابَل به من قبل المنظمين، يوم كان الجسم الإعلامي بالمدينة يعد على رؤوس الأصابع، لا يتعدى في غالب الأحيان العشرة إلا بصحافٍيٍ أو إثنين فقط. و أتذكر جيدا كيف كنا قليلون و نحن نتابع خطاب العرش أو المسيرة من قصر مولاي عبد الحفيظ، و كيف كنا نحظى بشرف مرافقة موكب العامل في التدشينات و هو يجوب شوارع المدينة، و كيف كنا قليلون و نحن نتابع مباربات الاتحاد المحلي أيام الصحوة و العز من منصة ملعب مرشان. بجانب أسماء منها من غادر إلى دار البقاء، و منها من لازال يتحسر على ما آلت إليه مهنة الإعلام، و كيف تم السطو على هذه الصفة، و كيف مرغت سمعتها في الوحل. الله ياخذ الحق. كَثُرَ الصحافيون في طنجة اليوم، وفاقوا قراء الصحف وزوار الجرائد الرقمية عدداً. ففي دورات المجالس المنتخبة يفوق عددهم عدد الأعضاء المنتخبين، وفي الندوات والمهرجانات هم أكثر من الجمهور، وفي منصة ملعب الزياتن يتجاوز عددهم عدد المنابر الإعلامية المحلية والوطنية. بما فيهاالمرئية والمسموعة والإلكترونية. حتى أن بعض الزملاء من قدماء الحرفة فقدوا مقاعدهم لتكاثر الصحافيين الرياضيين أسبوعا بعد آخر. جيش من المصورين ، وأضعافه من المحررين. والنتيجة كاعادة:" تابعوا معنا المقابلة لحظة بلحظة مع الصور على الفايسبوك" و متى كان الفايسبوك صحافة يا أهل السخافة؟ مرة أَسَرَّ لي زميلي "علي" أنه غير سعيد بتواجد أسماء ضمن لائحة رجال الإعلام بالمدينة، و قال لي بالحرف،" أخجل من تواجد إسمي إلى جانب اسم عاهرة، أو نصاب، أو صاحب سوابق، في لائحة عنوانها رجال الإعلام و الصحافة بطنجة" قدرت طبعاً صعوبة الموقف، وشعرت بمرارة الإحساس بالظلم، ولمست في كلامه نبرة المتحسر الذي لا حول له ولا قوة. موقف إن عبر على شيء، فإنما يعبر على مشينة خطيرة يصعب تصحيحها. وربما يستحيل ذلك في ظل اتهام كل إعلامي شريف بالارسترزاق، و العمالة للمخزن، وتأجير قلمهأو صوته. اتهامات يسهل إطلاقها اليوم لمجانيتها، و لتجاوب فئة بعينها معها، على كل صحافي ناجح، و على كل منبر استطاع تجاوز المبتدئين إلى مستوى المحترفين ، و كل اسم منتشر وازن ومحترم داخل وسطه المهنى و خارجه. ولا ملامة على من يفعل ذلك، فصحافة التشرميل هذا طبعها، و الأفواه التي لا تنطق إلا شعارات فارغة هذا زمنها، و أهل الكهوف والليالي الحمراء لا يفيقون إلى على صدمة نجاح أسيادهم. فيجن جنونهم، و لا يهدأ بالهم إلا وقد رموا صوبهم بسهامهم المسمومة، و كلماتهم المذمومة، عبثاً طبعا. الصحافة في طنجة على جنابة، فالطهارة الطهارة يرحمكم الله، وإلا فسوف يأتي علينا يوم يجيب فيه كل من سئل عن مهنته ب"صحافي حَاشَاكْ نْعَامَاسْ". أقول قولي هذا، و أستغفر الله لي ولكم،