هذا هو السؤال الذي يلهب مشاعر أغلب المواطنين المغاربة وربما العرب أيضا خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان ؟، ولا ينتظرون الجواب عنه في الأيام ولا الشهور القليلة القادمة.أإلى هذا الحد تصل القذارة في التلفزيون ؟ إلى متى تظل “النكتة” البايخة ومن خلالها الكوميديا الرديئة” كوميديا الأفواه المفرومة والأجسام الملوزة شرطا ضروريا ومفضلا لإنتاج الاتصال والتواصل بين التلفزيون والشعب خلال الشهر الفضيل ؟ إلى متى تهجير السخرية الجادة وترسيخ الشماتات ؟ هل يفكر القائمون على التلفزيون بالصيام عن مثل هذه الخزعبلات ولو لرمضان واحد ؟ أليس لنا حقا ، ولا نستحق غير هذا المسخ ؟ وهذه التفاهات المتناسلة أبا عن أخ وأخت عن عشيق وعشيق عن عشيقة ؟ أما حان الوقت كي نقول لا جهرا ؟ وما ذنبنا حتى تجرفنا طوافين الإعلانات ومآت الوصلات الاشهارية الإنشائية الغارقة في السفالة لحظة الإفطار ؟ طيب لماذا التلفزيون من أصله لحظة الإفطار ؟ من يجبرنا على ذلك ؟ وهل ضروريا تثبيت عشرات العيون على شاشة لحظة الإفطار ؟ لماذا نشاهد ذلك كي نتفهه رغم أننا نتوفر على أجهزة التحكم عن بعد ، ويمكننا عبور العالم بقاراته نحو الأفضل والأجمل في نحو دقائق معدودة؟ أهي الوطنية المغتصبة أم النكاية والتشفي في بلادتنا بإفراط وتفريط ؟ أسئلة وغيرها طرحها المغاربة قبل 15 سنة ، ولن يكف أحد اليوم عن طرحها ، لا الآن ولا غدا.“ المشكل أننا نهضم ما يعرض ببلاهة ، و لا أحد يتساءل عن السر في ذلك، ولا عن صمتنا تجاه كل هذا الصخب الملون الذي يعلن حالة اندحار شامل لمنطقة الإبداع وتشمع لكبد الذوق والإحساس والجمال وتقهقره عشرات السنين . في ضوء التحديات العالمية بعولمتها الجارفة التي لا ترحم ، وثورة الاتصالات التي يحاول المغرب التماهي معها بكل ما أوتي من أحلام ورهانات الآن وأكثر من أي وقت مضى , لابد ان مسؤوليات كبيرة, وتحديات صعبة بالتأكيد تلقى على عاتق الإعلام المغربي سمعيا وبصريا والتلفزيون على نحو خاص , مسؤوليات ورهانات جارفة نستشعرها, كإعلاميين ومتتبعين في عالم تكالبت حوله الصراعات والأزمات التي تشكل على الدوام بؤرا نشيطة لتفاعلاتها , كما تؤدي الى مجموعة من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالنسبة للدول القوية بالأحرى التي مافتئت تبحث لها عن موطئ قدم في النمو . لذلك كان من الطبيعي ان تواجه الدراما المغربية رهانات صعبة أمام المنافسة الشرسة بين الدراما السورية والمصرية الامريكلاتينية ثم التركية فيما بعد حول استقطاب اكبر مشاهدة عربية ,حيث تم تسويق العشرات من الأعمال الفنية المتنوعة بأغلفة مالية خيالية مضمونها ما بين السياسي والتاريخي والاجتماعي والفني. هنا من حقنا ان نغضب ونحزن ونتساءل : ألا يوجد مجال تستوطن فيه ذاكرة إبداع الفنان المغربي , كي تمارس تأثيرها من اجل المنافسة المتعة والتنوير والإفادة غير فضاء النكتة ؟؟ أجل ، قد نصف الوادي بالعنف حين يجرف كل شيء ,لكن يبدو أن لا احد منا يهتم بالجوانب الضيقة التي تخنقه” وحتى إذا سلمنا بواقع الفنان البئيس وبظروفه المزرية، لماذا الهروب إلى الأمام بدل التحكم في آلية اللعبة ؟ أليس لنا من خيار سوى فسح المجال أمامه لرسم التفاهات وتناسل الفضاعات وتخصيب السفالات باسم رمضان . نفهم أن الفنان المغربي يعيش ظروفا صعبة ,حتى انه يظل عاطلا طوال السنة ، وفي لحظة تتراكم المشاهد , وتتزاحم المواقف, وتتكدس العروض من غير أن تكون له إرادة التقييم والاختيار، فضمان القوت أولا من خلال الحضور، أما الجودة والإبداع فللحديث أسباب نزول . في هذا الإطار, تبرز نوع الفكاهة المغربية المعروض الآن ” كاميرا النجوم، نسيب الحاج عزوز ، دابا تزيان، كول سانتر .. انطلاقا من تجارب فاشلة سابقة , نموذجا سيئا في تسطيح ذاكرة المشاهدين و تكريس الدجل والشعبوية , و إنتاج خطاب العدم . نتاجات متقافزة تمتلئ بالقفز والنط ، ويربط ما بينها خليط انفعالي مرتبك يفلح في تصوير العبث في أقصى تجلياته , كما ينجح في تعزيز وتفريخ آلة ضخمة للتكرار الذي يفقه الحمار , وإنتاج إعادة الإنتاج , بشكل يوحي باستقالة العقل , وهيمنة التهافت على الأغلفة المالية لهولدينكات عملاقة تمتص دم المغاربة في كل الآفاق وتتعزز وتستقوى حين ترتبط برمضان , الأمر الذي يكرس ثقافة الفقر الفني والإبداعي بيقين شبه تام. وما “السلاسل الكوميدية والسيتكومات الرمضانية البئيسة , إلا تكريس مجاني لتفقير الفن وتهجير السخرية الجادة والإبداع الجاد ببلادنا. نعم بإمكان النكتة أن تكون في مستوى ما يتطلبه موقف ما...لكن التحديات المطروحة..رهان صعب.. والمغاربة مختلفون في هذا الاتجاه. وإذا كان للمرء أن يختار طريق حياته من جديد، فإنه قطعا سيفضل أن يكون كسالا ” في الحمام ، أو بائعا بوبوش ” حلزون” حتى يتمكن على الأقل من الاستمتاع بقدر من الغباء المجاني وراحة الضمير من وجع السؤال. حول طبيعة هذا المنتوج ومستوى رداءته , أو شرطيات قبوله و مروره . من ينظر إلى برمجية رمضان على القناتين الأولى ودوزيم من خلال الوصلة الإعلانية ، ولك أن تتصور ما تشاء من التفاهة . شكليا على الأقل ,تبدو التعددية في تناول الموضوعات , واختلاف المقاربات , وتعدد الوجوه والمواهب, وعودة النجوم إلى غير ذلك. نتيجة ملفتة وواقعية.. لكن الحقيقة كما سترى, مجرد لازمة يلوكها الإعلان كل رمضان. .حفظها المسئولون والمبدعون الرسميون المأجورون عن ظهر قلب , وشربها ودب دبيبها في عروق المنتجين والمتهافتين والمشاهدين على حد سواء. ما سيقدمه الفن المغربي خلال رمضان : مجرد شهر عالمي للنكت الشعبية , النكتة المصورة والمرئية والمسموعة, لقد أضحى الشهر الكريم أضخم تجمع نكتوي في البلد . فما الذي يبدعه أصحاب السخرية المبطنة سوى النكت ولا شيء غيرها. حلقات اجتماعية تعالج بعض الظواهر ممثلة في نماذج بشرية باختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية وتنوع آمالهم وطموحهم..سلاسل هزلية” بالمعنى الجدي للكلمة” في مجملها تجسيد لمجموعة من المواقف من الواقع المغربي بطريقة فكاهية.. ما على مستوى الدراما أي المسلسلات فثمة حكاية كان ياماكان يشيب لها الولدان. موال شعبي ولازمة بلهاء حفظها الآباء وورثها الأبناء مطلعها ” دراما اجتماعية مستوحاة من الواقع المغربي تدور أحداثها في البادية ، شخصياتها مختلفة الطباع تروي حكاية بطش وحب وسعادة يتفانى البطل في خدمة سيده في البداية ، ثم يخلفه في العشق والميراث مع قليل مصادمات مفتعلة وحزازات مصنوعة ترفع ضغط المشاهد عنوة، هناك صراع مع فكرتين سيتم بالتأكيد الانتصار لأقواهما في نظر الكاتب وليس الوقائع والأحداث، وهي المبادئ النبيلة طبعا ..هكذا تبدأ سلسلة المشاكل والأحداث الدرامية “ضمن دراما رمضان” لتتسع فتشمل أناس على علاقة بالبطل فتنقلب حياتهم وتتمادى مع الحقائق ,حتى أن النهاية تجسد العدالة في أسمى صورها. وانتهى إبداع رمضان. والى رمضان قادم . ملحوظة كتب هذا المقال قبل ثلاث سنوات ونعيد نشره لكل غاية مفيدة : الكاتب Oujda Portail: القذارة تصل في التلفزيون المغربي ، فمن يجرؤ على كنسها ؟/بولمان: عزيز باكوش