يولي المغرب وفرنسا، اللذان تربطهما علاقات صداقة قوية وشراكة سياسية واقتصادية نموذجية، أهمية كبيرة لتطوير وتعزيز التعاون الثقافي الغني والمتنوع. وتجسد الاهتمام الذي يوليه البلدان للجانب الثقافي في إطلاق عدد من المشاريع المشتركة، وتنظيم تظاهرات وفعاليات ثقافية ومعارض بالمغرب وفرنسا تعكس ثراء وتنوع التبادل الثنائي في هذا المجال. ويشهد الحضور القوي للمعاهد الثقافية الفرنسية بالمغرب وتنظيم أواخر سنة 2014 بمعهد العالم العربي ومتحف اللوفر في العاصمة الفرنسية لتظاهرتين ثقافيتين هامتين حول المملكة، ويتعلق الأمر ب"المغرب المعاصر" و"المغرب في القرون الوسطى"، على الاهتمام الذي يوليه البلدان لتعزيز الثقافة، دون نسيان دور عدد من المثقفين المغاربة الذين تألقوا في المجالات الأدبية والفنية والأكاديمية بفرنسا، والذين أضحوا فاعلين رئيسيين في الزخم الثقافي الذي يعرفه البلدان. وسمح هذان المعرضان بالاطلاع على التوهج الاستثنائي للفن والثقافة الذي يشهده المغرب اليوم، وكذا استعادة فترة غنية من تاريخ المملكة تمتد ما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر والتي تميزت بتعاقب المرابطين والموحدين والمرينيين الذين وحدوا فضاء سياسيا وحضاريا حول المغرب، وامتد إلى الأندلس. ونظم معرض كبير آخر حول تاريخ المملكة في نهاية سنة 2016 بالعاصمة الفرنسية تحت شعار "المغرب عبر العصور". وقدم المعرض، في تسلسل تاريخي وكرونولوجي، لمحة عن فضاءات السلطة، لاسيما من خلال الخرائط وأشياء أخرى ترمز للسيادة (كتب مقدسة، ولافتات، وقطع نقدية ...)، كما استعرض نوعية التبادل الملموس في الاتفاقات والمراسلات بين المغرب وفرنسا. وفي سياق متصل، سيساهم المركز الثقافي المغربي الذي سيشيد قريبا بباريس، دون شك، في إعطاء نفس جديد للعلاقات الثقافية الغنية فعلا، والتي تستمد جوهرها من صداقة فرنسية مغربية تندرج في اطار الاستدامة. وسيشكل هذا المركز واجهة حقيقية للثقافة المغربية في تنوعها، وسيشارك في تعزيز تراث وتقاليد المملكة، كما سيساهم في التعريف بالمشهد الفني المغربي المعاصر في فرنسا ضمن روح من الشراكة مع المؤسسات الثقافية المغربية والفرنسية. كما ان المركز الثقافي المغربي بباريس سيساهم في تعزيز الروابط بين الجالية المغربية المقيمة بفرنسا ووطنها المغرب. وتجسد الاهتمام الذي توليه فرنسا للحراك الثقافي الذي تشهده المملكة، ايضا من خلال مشاركة المغرب كضيف شرف في معرض الكتاب بباريس الذي اقيم من 24 الى 27 مارس المنصرم، حيث تميز الحضور المغربي من خلال معرض تحت شعار "المغرب كتاب مفتوح" الذي ابرز الانتاجات الادبية والفكرية للمملكة فضلا عن الرهانات المرتبطة بقضايا الادب على الخصوص ،وقضايا المجتمع بشكل عام. وفي اطار هذه المشاركة اقيم معرض تحت شعار ""روائع الكتابة بالمغرب، مخطوطات نادرة لم يسبق عرضها"، بمعهد العالم العربي بباريس، لابراز ان ثقافة الكتاب والكتابة لا يمكن فصلها عن تاريخ المملكة. وتنشط شبكة المعاهد الثقافية بالمغرب احد اهم الشبكات الثقافية في العالم في مجال تعزيز العلاقات الثقافية الثنائية ، كما ان برمجة دورة 2017 للموسم الثقافي الفرنسي بالمملكة تعد دليلا ملموسا على هذا التعاون. من جهة اخرى ينظم حاليا معرض اخر بالرباط تحت عنوان (أمام بيكاسو) بمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر. ويضم هذا المعرض، الذي ينظم بشراكة بين المؤسسة الوطنية للمتاحف، والمتحف الوطني بيكاسو - باريس، أزيد من مائة عمل من لوحات ومنحوتات وسيراميك وصور ورسومات ومطبوعات مصدرها مجموعة المتحف الوطني بيكاسو بباريس. وعرف التعاون المغربي الفرنسي في مجال الثقافة، دون ادنى شك خلال السنوات الاخيرة، دينامية غير مسبوقة ، تعكس جودة الشراكة الثنائية الاستثنائية التي تشمل مختلف الميادين، كما تبرز عمق روابط الصداقة بين البلدين .