إنتشر في اليومين الأخيرين، على مواقع التواصل الإجتماعي، شريط فيديو يواكب حملة طبية للمستعمر الفرنسي بمنطقة ورزازات، أواخر ثلاثينيات القرن المنصرم، ويظهر فيه أحد الأطباء وهو يقوم بفحص سكان منطقة سكورة بمساعدة إحدى الممرضات، قبل ان يظهر شاب من المنطقة يدعى لحسن أو عسو بورويّس، كما يلقبه أهالي المنطقة.. صور هذا الشخص كما شريط الفيديو، توجد في الأرشيف العسكري الفرنسي الذي يهم الفترة ما بين 1938 و1946، بمنطقة سكورة، حيث عاش لحسن او عسو بورويس، إلا أن الجديد في الأمر، وما دفعنا لإثارة هذا الموضوع هو ما رافق الشريط من تعليقات لا تمت للواقع بصلة وتكشف عن جهل من صدرت عنهم بالعلم، ومجاراتهم لما قيل وأثير حول "لحسن أو عسو بورويس" من أخبار بعيدة كل البعد عن الحقيقة، وذلك من خلال اعتباره "إنسانا قردا"، أو "مخلوقا عجيبا" كما جاء على لسان أحد الكتاب المغاربة عبر قناته بموقع يوتوب الاجتماعي.. وصفُ المستعمر لهذا الشخص ب"الانسان القرد"، يمكن فهمه بالنظر إلى أهداف الفرنسيين آنذاك وموقفهم من الشعوب المستعمَرة ولعاداتهم التي تدخل بالنسبة إليهم في إطار ما يسمى ب"الغرائبية"، التي يتهافتون عليها ويسوّقونها في مجتمعاتهم حول أهالي المغرب وباقي الدول المستعمَرة.. إلا أن مسايرة بعض المغاربة، وخاصة الكاتب المغربي الذي أورد الشريط نقلا عن الارشسيف العسكري الفرنسي، وجعل اسمه مكتوبا عليه طول المدة الزمنية التي استغرقه نصوير المنظر، وتعليقه على ما يظهر في الفيديو، لا يمكن تقبّلها لأن الأمر يتعلق اولا بنظرة استعمارية يتم اجترارها بوعي أو بدونه، بعد مرور أكثر من 80 سنة على تصوير الشريط، كما أن الأمر يتعلق بعقلية بعض من يدعي المعرفة والإلمام بما يقع في المجتمع، دون البحث والتنقيب قصد استجلاء حقائق الامور.. الكتاب، الذي اعتقد أنه حصل على كنز ثمين، إكتفى بالقول خلال تعليقه على الشريط بقوله "يخلق الله ما يشاء" وبعدها قام بنعت الشخص الذي ظهر في الشريط ب"المخلوق الغريب" وب"إنسان قرد، نصفه بشر ونصفه قرد.." ثم يسرد ما كتب حوله من طرف بعض الفرنسيين خاصة ما جاء في كتاب أوغيست فييرسي، الموسوم ب"من الريف إلى الاطلس الكبير"، منشورات بلجيكا سنة 1939، وبعض الفقرات من كتاب آخر لفرانسوا بونجان، تحت عنوان "في المغرب عبر القافلة" منشورات هاشيت سنة 1950.. والغريب ان الكاتب يقوم بخلط ما جاء في الكتابين ولا يشير إلا إلى كتاب "من الريف إلى الاطلس الكبير"، دون ذكر صاحبه أوغيست فييرسي.. تعليقات صاحبنا على الشريط، وعلى الشخص الذي يظهر فيه، يكشف جهله بالطب وبما استجد في المجال العلمي، إذ ان ما سماه ب"الانسان القرد" أو "المخلوق الغريب" لا يعدو أن يكون إنسانا عاديا أصيب منذ ولادته بما يُسمى بمرض "صغر الرأس" (Microcéphalie)، وهو تشوه يصيب المولود ويُعرّف على أنه صغر حجم رأسه بكثير عمّن سواه من الأطفال من العمر والجنس نفسيْهما.. ولو أن المعلق على الشريط كان ملمّا ومتتبعا للأخبار لاهتدى بسهولة إلى ان هذا المرض، الذي يصيب شخصا من بين ملايين الأشخاص عبر العالم، تم التطرق إليه بشكل منستفيض قبل سنوات عندما استشرى فيروس "زيكا" بالبرازيل وبدول أخرى في امريكا اللاتنية، وهو فيروس ينتقل أساسا عن طريق لدغات البعوض، وقد توصل العلماء والباحثون إلى أن هذا الفيروس يعد من الأسباب الرئيسية لمرض "صغر الرأس"..