الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. لقد حل علينا ضيف كريم، وشهر عظيم، إنه شهر رمضان المعظم ، شهر القرآن والصيام والقيام، شهر الصبر والرفق واللين، شهر الحلم والعفو والتسامح ، شهر الجود والكرم والعطاء، شهر النفحات الربانية والخيرات والبركات، شهر التوبة والغفران والعتق من النيران. كان النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا رَأى الهلالَ قالَ: (اللَّهمَّ أهله علَينا باليُمنِ والإيمانِ والسَّلامَةِ والإسلامِ ربِّي وربك اللَّهُ) [ صحيح الترمذي] إننا ولا شك سنعود لسماع تلك العبارات التي تتكرر كل شهر رمضان مثل: (مالو وش صايم بدراع) ( ماد دهاشي عليه راه صايم) (ما دعصبنيشي أنا صايم)، وغيرها من العبارات والأقوال التي تتردد هنا وهناك، من طرف هذا وذاك، في المتاجر والمحلات، في الأسواق والشوارع والأحياء والمنازل، في الإدارات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية. فالتاجر قد يتنازع مع جاره التاجر أو مع الزبناءوأو لأتفه الأسباب ويعلل فعله هذا بأنه صائم. والموظف قد يتأخر عن عمله أو يتباطأ فيه، ولا يقضي مصالح الناس، ويرد ذلك إلى الإرهاق والمشقة بسبب الصيام، والمواطن يفقد سيطرته على نفسه فيصيح ويسب ويشتم ، وبعد ذلك يعتذر بأنه صائم. والزوج قد يتشاجر مع زوجته ويرعد ويزبد بسبب خلاف بسيط وقد ترد عليه بأشد وأعنف، ثم يعزوان ذلك إلى الصيام. والعمال والحرفيون قد يتأخرون عن العمل أو يقصرون فيه ولا يتقنونه، ويقولون إنهم يبذلون جهدهم على قدر طاقتهم لأنهم صائمون. والحقيقة أننا نطلق هذه العبارات دون تفكير، ودون روية، ولو فكرنا قليلا لوجدنا أنفسنا كما قال الشيخ محمد حسان: ʺأننا نقدح في الغاية التي فرض هذا الشهر المبارك من أجلهاʺ ألا وهي تهذيب أخلاقنا وتحسين سلوكنا وتحصيل التقوى، ونحن نرد كل ما يقع لنا في يومنا من نزاعات وشجار وخلافات إلى الصيام، ونتلفظ بكلمات كان الأحرى والأجدر بنا أن لا ننطق بها، وأن نقدر لهذا الشهر العظيم قدره، ونعطيه حقه لما له من مكانة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى حيث خصه سبحانه بخصائص كثيرة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). [رواه الشيخان]. أو ليس الذي يقع في رمضان من مشاحنات ومشادات يقع في شهور السنة كلها بل ربما أكثر، ويكفينا تصفح الجرائد اليومية لنرى هول ما يقع كل يوم، والذي قد يصل إلى القتل أحيانا لأسباب مختلفة. فإذن لماذا ننعت الصيام بأنه السبب، وكأنه لو لم يكن الإنسان صائما لما وقع ما يقع!! فلنغير سلوكنا في هذا الشهر العظيم ، ولنلجم ألسنتنا ولا نطلق لها العنان لتقول ما تشاء، ولنكبح جماح أنفسنا ولا نطيعها فيما تأمرنا به من المخالفات، ولنحذر من اتباع أهوائنا ولنعمل على قهرها، آملين أن نفوز برضا ربنا وثوابه الجزيل وجزائه العظيم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (( قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :" قال اللهُ : كلُّ عملِ ابنِ آدمَ لهُ إلا الصيامَ ، فإنَّه لي وأنا أُجْزي بهِ, والصيامُ جُنَّةٌ ، وإذا كان يومُ صومِ أحدِكُم فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ ، فإنْ سابَّه أحدٌ أو قاتَلَهُ فلْيقلْ : إنِّي امْرُؤٌ صائمٌ, والذي نفسُ محمدٍ بيدهِ لَخَلوفِ فمِ الصائمِ أطيبُ عندَ اللهِ من ريحِِ المسكِ ,للصائمِ فَرْحتانِ يفرَحْهُما إذا أَفطرَ فَرِحَ ، وإذا لقي ربَّه فَرِحَ بصومِهِ)). [صحيح البخاري]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((كل عملِ ابنِ آدمَ يُضاعفُ الحسنةَ عشرةَ أمثالها إلى سبعمائةِ ضعفٍ. قال اللهُ عزَّ وجلَّ : إلا الصوم. فإنَّهُ لي وأنا أجزي بهِ. يَدَعُ شهوتَه وطعامَه من أجلي. للصائمِ فرحتانِ : فرحةٌ عند فطرِه ، وفرحةٌ عند لقاءِ ربِّهِ. ولخُلوفٌ فيهِ أطيبُ عند اللهِ من ريحِ المسكِ )) [ صحيح مسلم] . فهنيئا لمن صام رمضان إيمانا واحتسابا، ونال الثواب الجزيل والجزاء الكثير في هذا الشهر العظيم. هنيئا لمن حفظ جوارحه عن الوقوع في الآثام والمنكرات، وكرس وقته لقراءة القرآن، ولم يضيعه في اللهو واللعب، والأحاديث الفارغة، ومشاهدة البرامج التافهة. اللهم وفقنا لصيام هذا الشهر المبارك وقيامه، وتقبله منا ياأرحم الراحمين. والحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.