أصبح إقدام السلطات بعدد المدن المغربية على حشد البلطجية للاعتداء الجسدي على النشطاء السياسيين والحقوقيين، سواء بواسطة الأسلحة البيضاء أو العصي أو القارورات الزجاجية، مشهدا متكررا ومقرفا في آن. وبعيدا عن مشاعر الألم والاستياء التي تخلفها هذه الظاهرة اللاأخلاقية، فإن ما نسعى إلى طرحه عبر هذا العمود، يتمثل في إثارة جملة من الأسئلة حول خلفية ودلالات هذه السلوكات: 1- لماذا تتحايل السلطة على القانون الذي يبيح حق الوقفات الاحتجاجية والتضامنية السلمية بالسعي إلى تخريبها من خلال توظيف طابور العاطلين والباعة المتجولين وأصحاب السوابق ؟ 2- لماذا لا تتوفر السلطة على الشجاعة السياسية والأدبية لتقول كفى من التظاهرات وكل الاحتجاجات السلمية، وأننا متقاعسون عن إيجاد حلول واقعية وحقيقية للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تجعل الوطن فوق فوهة بركان؟ 3- لماذا لا تنبذ السلطة عقلية تقديس الشكل واغفال الجوهر؛ بحيث تريد الإبقاء على الواجهة الديمقراطية دون الالتزام بالجوهر المتمثل في إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة تروم توزيع الثروة بشكل عادل والقطع مع سياسة اللاعقاب وربط المسؤولية بالمحاسبة ، مما جعل الأثرياء يراكمون الثروات بينما يزداد الفقراء فقرا؟ 4- هل يستقيم الحديث عن الديمقراطية وحرية التعبير وحرية الصحافة، في الوقت الذي تقيم فيه السلطة، محليا وجهويا ووطنيا، سياجا مكهربا حول الحق في الوصول إلى المعلومة؟ 5- هل تعلم السلطة أن تسخيرها للبلطجية من ذوي السوابق والباعة المتجولين وباقي أصناف المعذبين في الأرض، ستكون له تكلفته الاجتماعية والسياسية، بحيث ستضطر من أجل ضمان ولائهم وتجندهم للقيام بالأعمال القذرة، أن تغض الطرف على مختلف التجاوزات؛ كاحتلال الملك العام وتشويه المعالم الحضارية للمدن. وإذا ما أرادت هذه السلطة أن تطبق القانون ستكتشف أنهم هم أول من سينقلب عليها، بحيث سيلجؤون إلى التعبير عن سخطهم من خلال إحراق أجسادهم أو تخريب الممتلكات العامة وغيرها ،ويتحولون إلى وقود للفتنة؟ 6- هل ترغب السلطة دفع المجتمع لليأس والإذعان لسلطة البلطجية، أم دفعهم إلى التطرف باعتباره الحلقة الأسهل في تبرير المواجهة وقمعه، وكلها اختيارات لا تصب في مصلحة أمن واستقرار وتقدم المغرب؟ والحق أن هذه الممارسة التي تقوم بها السلطات بتسخير البلطجية لخدمة أجندات لاديمقراطية تجعل البلطجة سلطة للترهيب والتخويف، وقمع حق التظاهر كما يكفله القانون. وفي الوقت نفسه تمنح لهؤلاء البلطجية سلطة خاصة فوق القانون، يستخدمونها بإفراط ودون وعي بالسياق ومخاطره المحتملة في دولة لها مؤسسات يفترض أنها تطبق القانون وتسعى إلى تثبيته وترسيخ قيمه في المجتمع، لكن ما قد يغيب عن السلطات، أن ينقلب السحر على الساحر ذات يوم، وتصبح سلطة البلطجة موجهة ليس فقط ضد النشطاء والمتظاهرين، بل ضدها أيضا وضد مؤسسات الدولة ومرافقها العامة.