من ترسّبات مخلفات الذهنية الغربية ما استقرّ في عقول البعض من تمثلات حول مفهوم الدين في علاقته بالسياسة و تدبير الشأن الاجتماعي،فلازال قطاع واسع من المثقفين يشتغلون بآليات خارجية عن الدين عند التعاطي مع الدين و لازالت سلطة الواقع تمثل معيارا للمرور إلى إصدار الأحكام ،بل و أحيانا صار الدين يمثل عُقدة صريحة و مضمرة في خطابهم و ممارساتهم السياسية و الاجتماعية و كأنهم يعتبرون رؤاهم مرجعية مطلقة لا يطالها الغبش الفكري . هي مخلفات تحولت لدوغمائيات عندنا ، و قد تصاعدت هذه المخلفات و تكاثرت أنواعها لأسباب مختلفة: منها أن مناصري هذا الدين الحركيين و "الشعبيين" لم يستطيعوا أن يقدموا نماذج تصلح لأن تكون في مستوى الاتباع و الابداع بفعل اكراهات ذاتية و موضوعية و لم يُترجموا طروحاتهم النظرية إلى واقع ملموس يمكن البناء عليه، كما أنّ فئات منهم لم يمارسوا هذا الدين في مرجعيته الشاملة و إنما أخذوا بجوانب دون أخرى و وقعوا أسرى النظرة الاختزالية فكادوا أن يصوروا الدين الإسلامي لاهوتا ،الشيء الذي عزّز من مفهوم المثقفين للدين تصورهم النمطي للدين و قدّم لهم شواهد إضافية على "رجعية" الدين و خضوع رجاله تحت سيطرة الاستبداد و هكذا و أمام وجود "رجال دين" يعملون باستمرار على تكريس نظرية المتغلب و إقناع الناس بضرورة الحفاظ على البيضة و إنْ نمت وسط الأوساخ فإن ذهنية المثقف الواقع تحت قبضة المعيارية الغربية يزداد يقينا بوجود نُسخ دينية تحمل نفس الوجه،و هكذا يكثر الحديث عندهم عن "استغلال الدين" و "التجارة بالدين" و فصل الدين عن الدولة و تحرير العقل من الخرافة و فردنة الدين و ....و هي كلها عبارات تعكس في الحقيقة مستوى الخضوع للنزعات الغربية في تصوراتها للحياة و الوجود عامة و لا تعكس مواقفها تجاه الدين لوحده..