في المجتمع المغربي لا تستطيع أن تبادر بالعمل السياسي بدون رخصة من المخزن ، تأخذ إذنا عن تأسيس حزب ، بعد استشارة مطولة ، تفضي في النهاية إلى املاءات وفي هذه الحالة فانك لاتستطيع ، أن تأخذ ببرنامج خاص ، فلأحزاب في المغرب لايطرح أمامها إشكالية البرنامج ، فكل التوجهات يسارية إسلامية ... خاضعة لمقاربة المخزن التي تراعي المستجدات الإقليمية ، والضغوطات الدولية. نحن مجتمع يخضع للإملاء ت ، يؤدي وظيفة أمنية "التبركيك" عن طواعية ، وبدون مقابل ، يراقبك في الأزقة والشوارع ، ويتحدث عنك في المقاهي ، يستعين بجارك لمعرفة ... متى دخلت؟ ومن كان برفقتك ؟ لكن لا أحدا يمكن أن تنتظر منه مساعدة وقت احتياجك ، أو أنقادك في الأزقة عند " التشرميل" ، أو العراك أو حتى الفيضانات.... مجتمعنا ، تُمنَع فيه السياسية بدون إذن كابوس، إسمه المخزن ، لاتهمه أفكارك ولا وطنيتك ، فهو "مخزن"، له إستراتيجية أشبه بأفعى تغيير جلدها كل فترة ، ليست عن طواعية إنما للضرورة والاستمرار في الحياة ، خاضع في ذلك للسوق الاستهلاكية الخارجية ، بحيث أن "الدكان السياسي"، أو بالأحرى الحزب السياسي ، وسيلة لترويج بضاعته ، بالأمس كان الترويج لحزب الاستقلال ، باسم الحرية والاستقلال وتحرر المجتمع من الاستعماري الفرنسي ، وبعده عاش المغاربة فترة عصيبة ، توج بالتبادل التوافقي للمعارضة التي قادها الاتحاد الإشتراكي ، ولان الاشتراكية انتهى زمنها بوفاة الإتحاد السوفياتي ، فإن "الزحف الأخضر"، كما سماه المفكر التونسي عفيف الأخضر صنع "الربيع التونسي" ، وبعده مهد للثورات الاسلاموية ، تلك البضاعة المسيئة لكينونة الإنسان ، روج لمعتقداتها مقابل أرباح شركات الأسلحة العالمية .. ، هذه السلعة المقيتة التي تشجع على الدمار والكراهية ، استطاع المخزن أن يتعامل معها بليونة ، فصنع حزبا يحكم هذا البلد يستهلك ويقتات من هذه الفتات وبأقل الأضرار.. في انتظار مخطط أخر قد يتغير فيه المخزن جذريا وينصب نفسه عجميا ،بعد أن أكل الدهر عن العروبة والوهابية ، فاللعبة السياسية في المغرب ليست عن طواعية بل اكراهات وتد جينات وفق مقاربة أمنية تراعي مصالح القوى العظمى. . نحن اليوم مجتمع يحتقر خصوصياته التاريخية ، لكن يشكل الأجانب من اكبر الزبناء ، والمنبهرين بعمق هذه الحضارة ، خلافا للفكرة السائدة عند دعاة القوميين . فهم أول من يشتمها في العلن. نحن مجتمع أبدع في التاريخ وأسس إمبراطوريات على غرار أقوام أخرى مثل العثمانيين والفرس والروم ... أبدع الدروس في القيم الجميلة، لكنه في الواقع اليوم ضحية ثقة زائدة وتعايش غير مدروس. يتحكم فيه أهل الرباط وفاس ، بالمظاهر، والتحكم في الثروة الشعبية ، فكيفك أن تضع الطربوش الأحمر وتمتلك سيارة ذات ماركة عالمية ،مرقمة بصفيحة تحمل إشارة العاصمة الرباط ، فأنت المبجل والعظيم . نحن مجتمع يدعي انه ينتفض ضد الفساد والمفسدون لكن يستطيع أن يتقبل منك ورقة نقدية من فئة 200 درهم دون مركب نقص، مقابل أداء خدمة، ولو اقتضى الحال الإدلاء بصوته في الصناديق "الشفافة"، نحن مجتمع المنافقين بامتياز ، كل يدعي أنه يملك "عصا سليمان"، وسلطة الحلول ، وفي العمق يبحث عن مصلحته ، يورط نفسه في تأنيب للضمير ، ... يدعي أنه النخبة، لكن يطبع مع كل أشكال الفساد بسهولة في الواقع ... وصدق قول الشاعر حينما جسد أمثال هؤلاء المتملقون في أبيات شعرية حينما قال: لاخير في ود إمرىء متملق حلو اللسان وقلبه يتلهب .