تعتبر الجماعات الترابية في المغرب مدخل اساسي لتدخل الدولة لتنظيم، واعادة توزيع السكان، والانشطة الاقتصادية والمواصلات والخدمات العمومية، وذلك بهدف خلق نوع من التنمية التوازن المجاليين، وبمعنى أخر فالجماعات الترابية في المغرب هي المدخل الأساسي والإستراتيجي لاعداد التراب الوطني، الذي يقوم بدوره على اربع مبادئ مؤطرة واساسية تظهر بشكل جلي في التأهيل الحضري و البشري والاقنصادي والبيئي. طبعا مع مراعاة خصوصيات المجالات المغربية من خلال مجموعة من التوجهات المجالية، حسب خصوصيات كل مجل ترابي مغربي. لعل الامر الذي يثير استغراب الباحثين والمتخصصين في إعداد التراب وتأهيل المجالات هو الجماعات الوهمية التي افرزها التقطيع الترابي، فرغم تطوراته الا أنها كانت ولا زالت حاضرة بكل قوة على مستوى المجال المغربي خاصة بالجنوب. ويمكن ابراز المفهوم السطحي والوصفي لهذه الجماعات الوهمية على اساس كونها جماعات فارغة من السكان والإدارات والأنشطة الاقتصادية والخدمات الاجتماعية، وفي اغلب الأحيان حتى المواصلات. وهنا بالضبط نستحضر اغلب الجماعات الترابية بجهة واد الذهب الكويرة سواء منها الحضرية او القروية، فأغلب هذه الجماعات لا وجود لها إلا على وثائق وزارة المالية والمديرية العامة للجماعات المحلية، ولعل النموذج الأكثر وضوحا هو الجماعة الحضرية الكويرة الفارغة من السكان ومن الادارات والخدمات العمومية بل يمكن ان اقول بكل اسف وتحسر انها فارغة من كل ما يبرز سيادة المغرب عليها. طبعا هذا واقع فرضته ظرفية سياسية وتاريخية معينة، حيث وفي اطار اتفاقية بين المغرب وموريتانية تم اعتبار مدينة الكويرة منطقة عسكرية تحت الإدارة الموريتانية بنسبة كبيرة وطبعا الفرق واضح بين الإدارة والسيادة، فالواقع أن المجال الترابي للكويرة تحت الإدارة الموريتانية وليس تحت السيادة الموريتانية، في حين أن هذا الأمر يمكن اعتباره مس بالسيادة المغربية على أراضيه لكن واقع تاريخي وسياسي معين كان يفرض هذا الأمر إدا فالواقع يؤكد أن المجال الترابي للمدينة ا ”الكويرة” ليس تحت السيادة المغربية ولكن ما يثير الاستغراب هو أن وزارة المالية تخصص ميزانيات لمدينة الكويرة كما تخصصها لباقي الجماعات الترابية المغربية وهنا تطرح الإشكالية كيف وأين تصرف ميزانية جماعة الكويرة وهي فارغة من السكان وليست حتى تحت السيادة المغربية. إن مدينة الكويرة إحدى مدن المغرب التي ليست تحت سيادته، تعتبر كتجلي ومظهر واضح للريع المؤسساتي في المغرب، وهنا كذلك يمكننا استحضار إشكالية ثانية تتلخص في كون كافة السكان المنتسبين لمدينة الكويرة اغلبهم يستقر في مدينة الداخلة والبعض ربما حتى خارج الأقاليم الصحراوية ولعل مسألة الانتساب لمدينة الكويرة تبقى نسبية فمن المعروف أن العديد من السكان المنتسبين لمدينة الكويرة لا تربطهم بهذه المدينة أي علاقة سواء تاريخية أو قبلية اللهم العلاقة الإدارية الوهمية وهذه إشكالية أخرى. وحتى الإدارات الوهمية للمدينة الوهمية “الكويرة” توجد داخل مدينة الداخلة وهنا استحضر باشوية الكويرة ومقر المجلس الجماعي لمدينة الكويرة كل مقرات هذه الإدارات تتوزع وسط مدينة الداخلة بل كافة ادارات عدم التمركز أي إدارات السلطات المحلية من قيادات باشويات عمالات و إدارات اللامركزية أي المجالس المنتخبة كالمجالس الجماعية والإقليمية لكافة المجالات الترابية بجهة واد الذهب الكويرة تتجمع في مدينة الداخلة. وفي نفس الإقليم الذي يضم أكبر نسبة من الجماعات الوهمية ألا وهو إقليم أوسرد نستحضر مفارقة عجيبة لا تمت بأية صلة لأعداد التراب ولا لمبادئه ولا لتوجهاته المجالية فالغريب في المجال الترابي لجماعة أوسرد هو كونها تضم نسبة من السكان في مجالها الترابي حيث نجد أوسرد القديم الذي يضم ثكنات عسكرية ونجد كذلك أوسرد الجديد الذي يضم السكان والغريب هنا هو ان السكان في أوسرد الجديد بدون ادارات فكافة ادارت أوسرد في مدينة الداخلة بل حتى مقر وإدارة عمالة أوسرد توجد في مدينة الداخلة ولا يمكن أن نجد تفسير لهذه المفارقات في هذه الجهة من تراب المملكة المغربية سوى تفسير واحد وهو تكريس الريع المؤسساتي. وفي هذا الإطار نستحضر مفهوم “المدينة الشبح“ وهو مفهوم جديد لدى المهتمين والباحثين في سياسية إعداد التراب ودينامية المجلات المغربية ويقصد به تلك المدن عرفت تراجع كبير في نسبة سكانها لسبب معين سواء اقتصادي أو عسكري أو اجتماعي.. لكن المفهوم الجديد والغريب الذي ظهر في إطار تكريس الريع المؤسساتي هو تأسيس المدينة الشبح من نوع أخر وهنا استحضر جماعة بئر أنزران التي تم فيها تأسيس أحياء سكنية مجهزة لكن فارغة من السكان لأن اغلب المنتسبين للجماعة يستقرون بمدن أخرى بالمغرب يربطهم فقط الانتساب الإداري بجماعة بئر انزران ونفس الواقع المر بجماعة العركوب حيث تم بناء احياء سكنية مجهزة لكن دون سكان. اما بالنسبة لباقي الجماعات الترابية الأخرى وبالأخص في جهة واد الذهب الكويرة فهي جماعات وهمية لا وجود لا للسكان ولا للخدمات العمومية ولا للإدارات العمومية فالجميع في مدينة الداخلة وما يربطهم بالمجال الترابي لهذه الجماعات هو الانتساب الإداري فقط وهنا أعطي بعض النماذج لهذه الجماعات الترابية الوهمية التي تكرس الريع المؤسساتي كجماعة “اغوينيت” والجماعة الترابية ”تشلا” والجماعة الترابية “الزوك” جماعة “كليبات الفولة” وجماعة “ميجيك” وجماعة “أم دريكة” كل هذه الجماعات التي تم ذكرها هي جماعات ترابية وهمية لا وجود لها سوى في الوثائق الرسمية فهي تضم ساكنة وهمية اغلبها يستقر بمدينة الداخلة ولا يربطهم بالجماعات المنتسبين إليها سوى الرابط الإداري بل اغلب المنتسبين لا يعرفون حتى موقع ولا الحدود الترابية لجماعتهم كما تضم هذه الجماعات الوهمية مجالس منتخبة وبرلمانين وأعضاء في مجالس الجهة. وهذا ما يفتح الباب على مجموعة من التساؤلات هل هذه الجماعات الوهمية تخضع لنفس القوانين التي تخضع لها باقي الجماعات المغربية. والمعلوم أن القوانين التي تخضع لها الجماعات الترابية بالمغرب كلها قوانين تستهدف تأطير مشاريع الجماعة نحو طريق تحقيق تغير جذري وتطور ايجابي في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية داخل تراب الجماعة المعنية بالأمر وهنا يطرح سؤال أخر فهل هذه الجماعات تعمل على خلق هذا التطور الإجابي في المجال الترابي الخاص بها و إذا كان هذا الأمر صحيح فلمن يتم تحقيق هذا التطور و تراب هذه الجماعات فارغ من السكان. ومن باب التوضيح فإن الريع المؤسساتي الذي ظهر بشكل واضح مع الجماعات الوهمية في جهة واد الدهب الكويرة فهذا الواقع المر ينطبق كذلك على مختلف الأقاليم الجنوبية وهنا استحضر جماعة الحكونية وبوكراع والدشير باقليم العيون وكذلك جماعة تفاريتي التي يقع نفوذها الترابي شرق الحزام الامني اضافة الى جماعة كرمي وميل الوهميتين باقليم طرفاية. إن المشرع المغربي قطع اشواط مهمة في اطار سياسة إعداد التراب وذلك من خلال التطورات والتغيرات الاجابية لسياسة التقسيم الترابي للجماعات المغربية فهذا التقسيم الذي كان في بدايته يراعي المكونات القبلية للمجال الترابي ليخلص في نهايته الى ضرورة مراعات كافة الجوانب التي قد تساهم في خلق التنمية والتخفيف من اللاتوازن الجهوي إذا فالتقسيم الترابي أصبح يستهدف خلق توازن جهوي والتأسيس اتنمية مندمجة ومتكاملة الجوانب لكن النقطة السوداء التي باتت تلاحق التقسيم الترابي للمغرب هي تلك الجماعات الترابية الوهمية خاصة بالجنوب المغربي وفأغلب الباحثين اكدو انعدام إجابيات هذه الجماعات الوهمية سواء في الجانب الامني ولا حتى تكريس الوحدة الترابية بل اصبح من الواضح ان هذه الجماعات الترابية الوهمية ليست الا تكريس للريع المؤسساتي الذي يقف حجر عثر امام خلق تنمية شاملة ومندمجة على مستوى التراب المغربي.