ونحن على بعد شهور قليلة من الانتخابات المغربية ، تتسارع الاحزاب المغربية فيما بينها لكسب أكبر عدد من المنخرطين بشتى الوساءل وذالك جريا وراء ربح أصوات الناخبين وهو ما يعني كسب مقاعد أكثر مما حصلت عليه في السنوات الاخيرة ، وذالك سعيا لتشكيل حكومة مع الاحزاب المتفوقة في الانتحابات . الى حدود هنا يظهر أن التنافس السياسي بين الاحزاب جائز ، كما هو متعارف عليه لدى جميع أحزاب العالم ، لكن هناك أمور تجري في المغرب وحده ، وكأن القانون المؤسس للاحزاب يجب مراجعته من البداية وذالك انطلاقا من سلوكات لا يقبلها المنطق ولا العقل ولا السياسة نفسها . البداية التي يمكن تسجيلها وهو انتقال بعض السياسين من حزب الى آخر بدافع الربح وليس بدافع البرامج أو المبادء ، أو الايديلوجية ، وهو ما يترجم أن عملية الانتقال بين الاحزاب يتم بمقتضى المصالح الخاصة وليس بمقتضى الاصلاح ومحاربة الفساد ، وهذه النقطة يتوجب على وزارة الداخلية التي تشرف على عملية الانتخابات مراجعتها من الاصل . النقطة الثانية ، هناك نقابات لقطاعات مهمة كالتعليم والصحة والتي تحوي عددا مهما من العمال والموظفين ، ومؤخرا بدأت بعض الاحزاب تتحايل على استمالة قادتها ، في الوقت الذي يجب ان تبقى هذه النقابات مستقلة عن أي توجه سياسي، وعن أي انتماء سياسي ، وذالك لسبب بسيط ، لان النقابات هي أصلا أنشأت للمطالبة بالحقوق وتمثيل العمال والموظفين أمام القضاء وأمام أعضاء الحكومة خلال المفاوضات ، وليس لتشجيع حزب معين . ومن غير المعقول أن يكون قادة النقابات طرف من الحزب الذي يحمل حقيبة التعليم ، أو الصحة ، أو اي قطاع آخر، لأنهم مطالبين بالجلوس مع الاحزاب المشكلة للحكومة فوق طاولة المفاوضات . النقطة الثالثة ، وهي الجمعيات التي يتم تأسيسها من طرف الاحزاب والتي تكون بمثابة أبواق قوية لتلميع صورة الحزب ، ونحن نعرف أن الجمعيات هي طرف من المجتمع المدني ، وقد عشنا فترات في المغرب غير عادلة ، حيث تفوز الجمعيات المتحزبة بالمنح والمساعدات ، بينما الجمعيات المدنية الغير المنتمية ، لا تلوي على أي مساعدة من المسؤولين وذالك بدافع عدم الانتماء السياسي . وهذا يخلق مشكلا في حد ذاته ، يجب على وزارة الداخلية أن تعيد النظر في هذه الامور من الاساس . النقطة الرابعة ، وهي الاستغلال : اٍما فقر المواطنين ، أو ظروفهم ، أو استغلال التغرات والفراغات المتواجدة في الوسط الاجتماعي . مع ظهور وباء كرونا ، خرجت بعض الاحزاب الى تقديم مساعدات اجتماعية للمواطنين المهمشين ، لكنهم تفاجئوا برسائل الانخراط في الحزب دون علمهم ، وهذا السلوك يعد خارج عن قانون الاحزاب ، وبعيدا كل البعد عن توعية المواطنين وحثهم على التصدي للفساد . مؤخرا لجأت بعض الاحزاب الى مقلب غريب ، وفي نفس الوقت خطير على حرية الانتماء والخيار الديموقراطي ، حيث بدأت تكون مجموعات في مجالات مختلفة : الفن والفلاحة والسياحة ، و.... ...تجمعهم فيما يسمى بالكونفدرالية ،وهي عبارة عن جمعية تابعة ومنظوية ومنخرطة في الحزب بذريعة الدفاع عن مصالحهم والرفع بالثقافة على المستوى الوطني . هذا المنعطف يبقى أثره خطيرا على الجميع ، ولكي نعي قوة هذا الانحراف السياسي ، لنفرض مثلا ، أن الصحافيين والكتاب اجتمعوا كلهم في جمعية ، وأصبحت هذه الجمعية تابعة لحزب واحد ، ولنفرض مثلا أن هذا الحزب هو الذي فاز بالانتخابات المقبلة . النتيجة الحتمية والوحيدة في هذا الشأن هو أن الاعلام والثقافة لن يزيغا قيد أنملة عن الخطوط التي سوف يسطرها الحزب الحاكم . النقطة الاخيرة وهي الجمع بين المال والاعمال والسياسية ، يصعب التحليل في هذا المجال لان ذالك يحتاج الى مساحة أكبر ، لكن وجب التذكير أن المال والاعمال لا يتوافقان مع السياسة باختصار .
في الدول المتقدمة الاحزاب لها مساحتها ، والكتاب لهم مساحاتهم ولهم انتمائتهم ، والنقابات لها مساحتها أيضا ، أما الاحتواء الكلي لجميع المجالات فما هو اٍلا بداية لتقويض الحريات .