تابع.. إن تقييم اختيار "المشاركة" يجب أن يعتمد على الواقع بما هو خيروأصدق مؤشر على التنظير.. وفيه أن ذاك الخيار قد تم تبنيه -كما ورد في المقال الماضي- منذ "الاستقلال"، ومن طرف أغلبية غالبية "القوى المجتمعية"، البعض يمكن أن يكون فعل ذلك بحسن نية، والأغلب بغرض التسلق والتنفع والتربح و"التسلط"... لكن، وبغض النظر عن الباعث، الأكيد أن الاختيار لم يأت بخير،، ولنا في الواقع شاهد ودليل.. في المقابل، عندما تم التلويح بالانعزال والمقاطعة، برز استجداء "عودة الشارد إلى الحظيرة".. ولو لم تكن المقاطعة هي ما يؤرق المستبدين ويساومهم ويهددهم، ما كانوا ليضيّقوا على المقاطعين، و"يرفعون" المشاركين، كما هو جلي في الساحة السياسية والإعلامية والشعبية..فجدوى المقاطعة، كسلاح وخيار نضالي، ثابتة في التاريخ، لدرجة أن جل النظم تخشاها، وتحاول اختراق صفوف المقاطعين.. إن حكام العالم الثالث لا يحبذون إشراك أحد في الحكم.. لكن قد تتظافر عوامل داخلية وخارجية تضطرهم إلى قبول، بل أحيانا "توسلشريك".. وقد حصل هذا الأمر هنا مرتين على الأقل في الثلاث عشريات الأخيرة.. المرة الأولى كانت عند الإشراف على "السكتة القلبية" الأولى، حيث لجأ النظام إلى دعوة الاشتراكيين إلى المشاركة في تدبير الشأن العام.. وهي دعوة، وإن كانت ترمي إلى تأمين انتقال مرتقب سلس للسلطة، إلا أنها استجدت إشراك فاعل سياسي وازن، بما كان يضم من أطر وقواعد وتاريخ ورمزية، بعدما فشلت كل محاولات تهميشه وتفريخ بدائل له.. فقد كانت إذن دعوة للمشاركة من منطلق ضعف الطالب، وقوة المطلوب منه.. لكن تفاجأ المخزن و"الحزب" و"الشعب" أنها كانت أفشل "طلقة" على الإطلاق، وأن مفعول عود ثقاب أطول وأكبر أثرا من مفعولها، وأنه راهن على نمور من خشب،، ذلك أنها لم تستوف حتى "مدتها القانونية" أو"عمرها الافتراضي".. وبغض النظر عن نتائج تقييم التجربة، سواء من جهة أثرها على النظام،أو من جانب تأثيرها على الشعب، أو على الحزب، وما إذا كان قد تم حسن استغلال العرض من طرف المدعوين أم لا، فإن الأكيد أن السيناريو لم يحل المشكل، على الأقل بالشكل الكافي أو المقبول، ما دام أن شريحة واسعة من المغاربة بقيت خارج دائرة المشاركة.. فكان هذا سببا سُمح بموجبه ل"الإسلاميين" بالمشاركة لأول مرة.. ذلك أن "إخوان بنكيران" كانوا قد قدموا طلبا لتأسيس "حزب التجديد" مباشرة بعد استبدال "الجماعة الإسلامية" و"الراية" ب"حركة الإصلاح والتجديد" و"التجديد".. إلا أن الطلب قوبل بالرفض، لأن "القانون المغربي يمنع تأسيس حزب على أساس "ديني"".. ومع أن ذات "القانون" لم يتغير، ورغم أن "الزمرة القيادية" هي نفسها،، إلا أن النظام هندس "تخريجة واقعية" -و"ضدا على مقتضيات الدستور"- تحفظ ماء وجه الجميع(استقاء لتجربة حزب الوسط المصري) وأدمج "الطليعة المقلقة" الراغبة في العمل "من داخل المؤسسات"، في "حزب" لم يعد يمتلك من المقومات سوى الترخيص،وربما بعض المقرات.. فكانت تلك المرة الثانية التي يهرول فيها النظام نحو استمالة وإشراك فصيل سياسي و"تيار "فكري"" إلى المشاركة السياسية.. وهنا أيضا لن ندخل في تقييم تفاصيل الصفقة: هل كان هذا هو السقف الحتمي، أم كان في الإمكان أحسن كثيرا مما كان؟.. وهذه الطلقة، وإن حاولت استثمار التجذر المجتمعي والخلفية الفكرية، غير أن مدة صلاحيتها لن تكون بحال أطول من سابقتها،، على الأقلبفارق معتبر.. في المرحلة الثالثة(لحد الآن)، وصل اليأس بالناس أن يطمعوا -تسولا للمشاركة- في "الفتات المترسب أسفل الصندوق"، فأنزلوا عتبةالانتخابات لاحتواء بقايا اليسار الراديكالي وربما يكون هو الحل الأخير المتبقي، يعني آخر ذخيرة، وبعدها قد يبقى المطلِق أمام "الغول" وجها لوجه!!!.. مؤشر أو قرينة أخرى يمكن الاستئناس بها في تقييم الموقف، وهي حضور أو عدم حضور المصلحة.. وفيه لا يخفى أن مناط المصلحية فيالمشاركة أكثر حضورا ووضوحا منه في المقاطعة، سواء فيما يتعلق بجاذبية المناصب التي تنالها القيادات(...)، أو نسبة التزكية والشرعية والقوة التي تحوّل لحسابات الأحزاب -وبالتبعية والتعدي للمنخرطين بنسب، أدناها الانتشاء والإحساس بالنصر المعنوي-،، وبين هذا وهذا"مصالح مرسلة".. أما المقاطعة فلا مصلحية يمكن أن تلامس الداعين إليها، مع قدرتهمالمحفوظة على اتخاذ الموقف البديل(المشاركة)، والنيل مما نال منه غرماؤهم، كل في مستواه.. فالولوج إلى المناصب والامتيازات... ليس اختيارا صعبا من الناحية المادية أو الإجرائية.. بعبارة مباشرة، الأسهلوالأكثر مردودية وإغراء وجاذبية، بل وسلامة، هو المشاركة.. والنفسالبشرية ميالة إلى الأسهل، ولا يقاوم ميلانها إلا متحكم فيها متمكن منها.. وعليه لا يعتبر من شارك، لوجود المحفزات، بقدر ما يعتبر المقاطع، لأنهسلك الصعب.. إذن، فموقف المشاركين يجمع شبهتين معا: المصلحة والسلطة.. مصلحة، تزكيها، بل تستجديها، سلطة.. في حين تعضد حجج المقاطعين بعضها بعضا بناظميْن كبيرين، الأول أنه لا يمكن تحقيق نتيجة مغايرة من عملية مرت في ظروف مشابهة لمدة نصف قرن. والثاني يبنى على الأول، وتضبطه قواعد العرض والطلب، حيث أن كثرة العرض في مادة الغواية الدعائية والتسول الانتخابي من طرف النظام لم، لن ولا يمكن أن يكون فيه خير للشعب، إذ لو كان هاجسه(النظام) هو مصلحة الشعب لحققها منذ زمن، ولا تعوزه الوسيلة ولا القدرة،، بدل هذا الإفراط في الإغراء بالمشاركة في "اللعبة" لاستدامة الشرعية..
في الأقل الأدنى، وبكل "موضوعية" و"واقعية" و"اعتدال" و"اتزان"، يجب على "العقلاء" النظر في جدوى ومعقولية الاستمرار في طرح هذه المهازل المسماة زورا بالانتخابات، ما دام ليس هناك أي متغير وازن أو طارئ استثنائي على طرفي الحالة: الأحزاب والنظام، يبرر أو يغري أو يشجع على المشاركة، على أمل أن هذه المرة سيحدث المنعطف وتكون الطفرة.. أما استمرار المشاركة في ظل هذه الشروط فقط من أجل تحقيق لازمة "المهم هو المشاركة"، وهو الحاصل على أرض الواقع، فهو لن يتجاوز مستوى البله والبلادة والسذاجة، هذا إن لم ينزل إلى حضيض السفه والسفالة والتربح، بل إلى درك التواطؤ.