أكد التقرير السياسي الصادر عن المجلس القطري للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان في دورته ال22، المنعقد قبل أسبوع، أن 29.3% من الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة، لا يعملون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين خلال سنة 2017. وهي النسبة التي تعادل 6 ملايين شاب في الشوارع بلا شغل ولا تعليم، استنادا إلى دراسة للمندوبية السامية للتخطيط حول وضعية سوق الشغل حين أعلنت أن عدد العاطلين قد ارتفع ب 49 ألف شخص، كلهم بالوسط الحضري، مما زاد من حجم البطالة بنسبة 4,2%. كما أن الأرقام الرسمية تقول إن 75% من الشباب المغربي لا يتوفرون على أية تغطية صحية، وأن 82% منهم لا يمارسون أي نشاط ترفيهي أو رياضي أو ثقافي، في حين تستمر الدولة في غلق العشرات من الفضاءات الشبابية من دور الشباب ومراكز التخييم ودور الثقافة أو تأميمها حسب المزاج والسياسة الرسمية. كل ذلك أنتج تلك المشاهد المؤسفة التي تابعها العالم لآلاف من الشباب الذين نزحوا نحو المدن الشمالية بحثا عن فرصة للهجرة نحو أوروبا في قوارب غير مؤهلة، دون أن يكترثوا باحتمالات الموت وسط مياه البحر الجارفة. مشاهد هي أقرب إلى الانتحار الجماعي ولَّدَها خناق اليأس والتهميش والتفقير والتجهيل الذي يحيط برقبة الشباب فلا يترك لهم الكثير من الخيارات لأجل العيش الكريم. وسجلت هذه السنة إخفاقات متتالية في تدبير العديد من المجالات، إخفاقات يدفع ثمنها المواطن المغربي هدرا لكرامته وغمطا لحقوقه وإجهازا على كل فرصة في العيش الكريم. لكن نصيب المرأة المغربية يبقى هو الأوفر من سياسات التهميش والتفقير والتعنيف، والتي حولت معيشها اليومي إلى معاناة لا تنقضي إلا لتبدأ من جديد، ولم تفلح سنوات من النضال النسائي المتواصل في تفكيك البنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تفرز واقع الهشاشة المستشرية والتراتبية المجحفة والتناقضات الصارخة. فعلى الصعيد السياسي ورغم كل الشعارات المرفوعة مازالت المنجزات مخيبة للآمال، ذلك أن ضعف انتخاب النساء في المجالس النيابية (10 نساء فقط انتخبن عن اللوائح المحلية مقابل 60 منتخبة ممثلات عن اللائحة الوطنية و11 شابة عن كوطا الشباب) جعل تمثيلية النساء في مجلس النواب لا تتعدى 20%، وهي الرتبة الخامسة بعد المائة دوليا، ما يؤكد مرة أخرى أن شعار المناصفة ليس إلا إجراء تجميليا أقحم في دستور 2011 لتكتمل بذلك الواجهة الديمقراطية المزعومة. ناهيك عن الحضور المخجل للنساء في التشكيلة الوزارية، ومحدودية الولوج النسائي لمراكز صنع القرار، وغيرها من الوقائع التي تؤكد أن حضور المرأة في المجال السياسي لا يعدو كونه حضورا رمزيا. وعلى المستوى التشريعي تميزت السنة الفارطة بصدور قرار يتمثل في السماح بولوج المرأة لمهنة التوثيق العدلي، وقد صحب هذا القرار لغط وصخب كبيران وكأن المغرب سيتجاوز به كل المشاكل البنيوية التي تتخبط فيها المرأة والتي ما تزال لا تحظى بالأولوية في النقاش. كما تمت المصادقة على قانون محاربة العنف ضد النساء الذي دخل حيز التنفيذ بعد مسار تشريعي انطلق منذ 2013 –فكرة المشروع طُرحت قبل ذلك بكثير–، قانون رأى النور في غياب مقاربة شمولية تستحضر البعد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي…وتجعل من احترام النساء سلوكا مجتمعيا يعكس وعيا متجذرا بالمكانة المعتبرة للمرأة. في غياب هذا تبقى المقاربة القانونية على أهميتها قاصرة عن معالجة أعطاب تفشت حتى باتت سلوكا يوميا يتفاخر البعض بممارسته بل يوثق لذلك ويشهره، والأحداث في هذا الباب أكثر من أن تحصى. وبلغ الفقر مستويات مخيفة ويتمدد شبح البطالة بنسب متسارعة، فحسب ما صرحت به المندوبية السامية للتخطيط انخفض معدل نشاط النساء من %27,1% سنة 2007 إلى 22,4% سنة 2017وتتراجع هذه النسبة أكثر في المجال الحضري ب 18,4 من نفس السنة. أرقام تسائل السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنهجها الدولة وتسائل الشعارات الرنانة التي رفعت لتمكين النساء اقتصاديا ودعم ولوجهن لسوق الشغل، ليكون الجواب تناسل عدد من الحوادث التي راح ضحيتها نساء ألجأتهن قسوة الحياة للبحث عن مصدر رزق يعيلهن وعوائلهن، وما شهيدات القفة بالصويرة وشهيدة الهجرة بتطوان وشهيدة الأراضي السلالية بآزرو عنا ببعيد. أما نزيف الوفيات في صفوف النساء أثناء الحمل والولادة فما زال مستمرا بسبب الإهمال الطبي وتدني الخدمات الصحية وندرة الكوادر الطبية والأعطاب البنيوية التي تنخر القطاع، حيث يسجل المغرب بذلك أعلى نسبة في محيطه. ناهيك عن وفيات الأطفال حديثي الولادة، حيث يموت 17 طفلا لكل ألف مولود جديد وهو رقم مرتفع إذا تمت مقارنته بدول الجوار أو حتى بدول عربية تعيش حالة حرب مثل فلسطين (10.8). واقع مأزوم دفع المرأة المغربية إلى انخراط لافت في الاحتجاجات الشعبية التي عرفتها العديد من المدن متجاوزة بذلك حاجز الخوف والعرف أملا في غد أفضل.