لم تعد الحكومة تحوز اهتماما من طرف الرأي العام، عدا ما يتعلق بالفرجة المسلية شكلا ولكنها محزنة ومؤلمة مضمونا، وتسير الأغلبية السياسية المساندة لها والمشكلة للحكومة في نفس النهج، ليتأكد أن العلة لاتقتصر على الحكومة، بل إنها تنخر جسدها برمته. وبذلك فإن الحكومة تقود موجة تسطيح النقاش العام وتتفيهه. فقد كان مأمولا أن تحرص الحكومة من خلال قيادات الأحزاب السياسية المشكلة لها، ومن خلال الشخصيات المستوزرة ضخ الأفكار الجديدة والبناءة، وتطعيم النقاش العام بالمشاريع والبرامج والمواقف، لتتمكن من خلال ذلك قيادة النقاش السياسي والاجتماعي والاقتصادي العام في البلاد.
هذا لم يحدث، واقتصر دور الأحزاب المشكلة للحكومة خصوصا قطبيها في تبادل عبارات السب والقذف، وملء جزء هام جدا من النقاش العام بما لايصلح. أما الشخصيات المستوزرة، فبعض منها نسيهم المغاربة، فقد غابوا منذ اليوم الأول من تشكيل الحكومة، ويعلم الله وحده ما الذي يفعلونه ويقومون به ويحصلون بموجبه على رواتب وامتيازات، ولعل هذا مايؤكد أن استوزارهم كان لأسباب ترتبط بالترضيات وجبر الخواطر ليس أقل ولا أكثر، في حين انجر آخرون وراء إطلاق العنان لكثير من التفاهات، بيد أن القلة المتبقية اختارت الصمت والانزواء، وألسنتها تردد «ما فاز إلا الصامتون».
وبذلك كله فإن الحكومة الحالية تقدم نموذجا سيئا في تأطير وإنعاش المسار السياسي العام في البلاد، وتجر معها الحقل السياسي نحو هذا الاندحار الفكري الخطير، وهي بذلك تفرغ الساحة ليس فقط للمنافسين السياسيين، بل أيضا – وهذا هو الأخطر -لفاعلين آخرين غير مؤطرين، والذين لا يمكن لأحد أن ينكر أنهم، أو على الأقل بعضهم، يشكلون خطرا حقيقيا على مستقبل البلاد.
قد يكون للمستوى الفكري لكثير من الوزراء دور في هذا التخلي، ولكن الأكيد أن الحسابات السياسية الضيقة هي التي وضعت الحكومة في هذا الإطار الضيق، وجرفتها نحو الفرجة. *** بقلم // عبد الله البقالي *** للتواصل مع الكاتب: