قطاع الثقافة على مر التاريخ مشحون بقصص قلة الاعتراف بالكفاءات والطاقات الموهوبة، خاصة مجال الفنون، حيث الإقصاء والتهميش اعترى ولا يزال يعتري العديد من المبدعين سواء كانوا أكاديميين أو هواة، وفي باب الموسيقى والأغنية حدث ولا حرج. إذ العديد من الأصوات تهدر حقوقها إن أرادت أن تصل إلى القمة ويتعرف عليها الجمهور العريض من كل حدب وصوب داخل الوطن أو خارجه وإن كان من الملحاحين الشادين بالتواجد على حقوقهم وعرق تعبهم سرعان ما يصيبهم الموج العاتي من الإقصاء والتهميش. صحيح أن العديد من هؤلاء الذين ينضح بهم الساحة الآن هم من بين هؤلاء الذين صبروا حتى تمكنوا وتقبلوا اللعبة بصدر رحب يتقاتون على الفنان ومحركي الدمى يرفلون في النعيم دون كلل ولا عناء اللهم مكالمة من هنا وهناك ورسالة أو برقية تفتح الآفاق.. مادام القوم نوم.
هذه اللعبة تكثر وتشتري بكثرة في كل الدول التي لا تعرف صرحا إعلاميا قويا تنافسيا وحرا سواء كانت مكتوبة، مسموعة أو مرئية ويستفحل أكثر في البلدان التي تزدهر فيها آفة الرشوة والزبونية والمحسوبية.
في مثل هذه البلدان يظل الفنان الحق محاربا من كل الجهات حتى يبكم ويكم فاه ويصبح نسيا منسيا يرفل في زاويته بتحسر على رصيده وتجربته ويتألم كلما ذكره فرد أو أكثر بترنيمة من ترانيمه أو مقطع من أغنية من أغانيه التي كانت تطربه قبل أن يطرب لها الآخر كجمهور متعطش لما يروقه من المحدث أو المحين من معين الثقافة الموروثة عبر الأجيال. والمتابع للساحة الفنية بعين متمحصة وناقدة لا يمكنه ألا يلاحظ الغثاء الذي جغى على الزبد أو بالأحرى الهراء الذي غيب الكلمة المنقحة الهادفة واللحن المختار بشجية وإحساس والأصوات الصادحة بصدق وقلب رقيق السجاف.
المطرب المغربي بدر فنيش
يحز في نفسنا أن نظل نرتع في متاهات تجدد نفسها بمسح لائحة أسماء لخلق أخرى حتى تستمر الدائرة العشواء التي تخبط قلوب الجماهير وتحصد المليارات في حسابات المنتفعين من هذا الإرث وهذا المنحى الثقافي الهام حيث الدول توليه أيما اهتمام كرافعة للذوق ولتنمية الأفراد والجماعات خدمة للحضارة الحديثة والبائدة وتلك القادمة لتطعيم الأجيال المستفيدة التي ستنبش في ماضي أجدادنا وموروثها الفني.
في مدينة سلا سطع نجم فنان متألق وبالفعل هو كذلك نجم سار على نهج النجوم القدامى الذين بصموا بصماتهم الخالدة في تاريخ الفن المغربي والثقافة الموسيقية السلاوية على وجه الخصوص كالسلاوي والغاوي.. واللائحة طويلة.
شاب تدرج منذ طفولته كعازف ومغني، عشق الميكروفون وصدح به في العديد من الحفلات، الأعراس، حفلات خاصة، قاعات ومسارح.. اختبر العديد من الأساليب والمشارب نزولا عند رغبة المستمع من جماهيره، أتحف في النغمة الشعبية التي يعشقها مهما أن صوته يتماهى مع كل المدارس المعروفة في الغناء من راي وملحون ومواويل، صوت اختبر الحياة وسارع في اكتساب المهارات وحصد الاعترافات، إينما حل وارتحل يبعث الحيوية والنشاط في جماهيره ولما ترسخت أقدامه وشجعه العديد من مهنيي الموسيقى ومحترفي الغناء وذواقة هذا المجال شمر على ساعديه وتسلح بعزيمة قوية ليخرج ألبومه الجديد المتضمن لتسع أغان مختارة بعناية فائقة راهن هو ومجموعته على تحقيق وعد جمهوره وخلق المفاجئة: قطعة تنسيك في أخرى.
لكن المفاجأة أن الدواليب المعنية بنشر الثقافة الموسيقية لم تكن عند الموعد، كلما حاول التكرم بمجهوده على الإدارات المعنية لتقريب الجمهور العريض له وتعريفه بمنتوجه الجديد كلما الأبواب تصبح أشد صلابة حتى على الطرق.. وبات الحلم الوهاج ظلمة تؤرق العين والأدهى أن الزملاء وأصدقاء المهنة والمتفاعلين مع الغناء لم يصدقوا أن مثل هذه الطاقة يهدر مجهودها على حساب أصوات تقرف السمع وأخرى تغلق شهية النهم الموسيقي وتساهم في خلق فوضى ذوق وإحساس واتجاه.
وإذ نقول وبعزم وثقة: شتان ما بين فقاعات زبد البحر والبحر نفسه، الفقاعات تطفوا ثم تنزاح أما البحر فيظل حاضرا بموجه العاتي يتقلب مع الفصول والأجواء ويبقى هو الشامخ بصورة دائمة لا تتغير. لأن الدوام للأصلح، والفن الحق المبني عن صدق التجربة والنوايا لا يهدم مهما كثرت معاول الهدم المتمثلة في البيروقراطية وآليات الحسد التي يسخرها العظماء المتزلفين للإطاحة بكل تجربة متميزة وكل صوت صادح بالتجريب والتجديد.
المطرب المغربي بدر فنيش
بدر فنيش هذا المطرب الذي يطرب الصغير والكبير لا يعرف صراع أجيال ولا آليات، هو هو.. لم يتغير كما عاهده جيرانه وأقرانه صلد كالصخر، متشبث بفنه مقاوم بنفس قوي لكل الدوائر التي تدور به وتحاول الإطاحة به في انتظار الفرج لأن الله دوما يغير ما بقوم حتى إن لم يغيروا ما بأنفسهم لأنها مسألة ذوق وإدارة والدائرة تدور… حيث المقصي يصبح مقصيا بدوره والمهمش يجد الآذان الصاغية لإعلاء كلمته وإنصافه وهذا ما نصبو إليه كمتابعين للحقل الثقافي والفني ببلادنا، ان ما ضاع حق وراءه طالب.. ونتمنى من المسؤولين أن يفتحوا باب السماع والتواصل بقلوب رحيمة لإنصاف الأصوات والطاقات التي ترغب في خدمة الفن الوطني وترفض الهجرة للخارج لفرض إشعاع في الأغلب يكون مبنيا على باطل.
بدر فنيش يستحق كل التشجيع من لدن أهل الفن وأرباب الإدارة الفنية والمؤسسات الثقافية، بحاجة لأيادي جادة تعلي كلمته وتقوي ساعده ليصدح من جديد بألبومات جديدة تخدم الساكنة وتساهم في التنمية الثقافية بجد ونشاط وليس كشعارات ترددها السن وكنانيش الإدارات المعنية بالشأن الفني والتواصلي.
المطرب المغربي بدر فنيش
من صميم القلب نرجو الرجوان اللامتناهي أن يقدم الدعم لكل الطاقات الواعدة بشفافية أو على الأقل بتوازن حتى لايطعن الهباء والغثاء على كل متميز عهدناه في المغاربة شعبا إدارة وصانعي الفرجة ومدخلي البهجة على الافئدة حسب الأيام والليالي، الشهور والفصول أعواما بعد أعوام لتكريس: دوام الأصلح والأفيد.