بمناسبة اليوم الوطني للمرأة.. تاء التأنيث في بلاط صاحبة الجلالة صعوبات وعراقيل تعايشها المرأة الصحفية بالمغرب
* العلم الإلكترونية: سعيدة مليح
هن ربيبات القلم، وحاملات فكر، صرخن في وجه مجتمع كان يصنف إلى وقت قريب بأنه الأقرب إلى الرجولي، وخضن تجربة الدخول لأغوار السلطة الرابعة، التي كانت مهنة تَشُق على الرجال، وكانت حكرا عليهم، فاكتسحنها الإناث دراسة وممارسة، ومنهن من تميزن بأسلوبهن وكشفهن عن روح التحدي، ونستحضر على سبيل المثال لا الحصر “خناتة بنونة” وهي أول امرأة مغربية تحصل على بطاقة الصحافة، فتركت الباب مفتوحا خلفها على مصراعيه لنون النسوة. ومكتب الأبحاث والدراسات التابع للمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، أفاد بأرقام تبين بشكل جلي وواضح، تفاوت كبير في نسب ولوج البنات مقارنة مع الشباب للمعهد، حيث تنطق الأرقام أنه خلال السنة الجامعية المنصرمة (2017_2018)، درس في المعهد في سلكي الإجازة والماستر 312 طالب، منهم 81 ذكورا، و230 إناثا، الشيء الذي يقدم تعبيرا صارخا كون المستقبل الإعلامي في المغرب سيكون فعلا متجسدا في العنوان: “تاء التأنيث في بلاط صاحبة الجلالة”. في هذا الموضوع سنقرأ بوح صحفيات عبرن عن آرائهن بكل جرأة، وعن مواقف أتعبتهن في مهنة المتاعب، فتجاوزنها، وعبرن شط الأمان، وتميزن في الميدان بشكل أكبر، فما هي إذن أبرز الصعوبات والعراقيل التي تواجه المرأة الصحفية في المغرب؟
* شهادات ميدانية:
هل سبق وتعرضت لأي انتهاك أثناء مزاولتك للمهنة فقط لأنك فتاة؟
ماجدة أيت لكتاوي صحفية مهنية، وأول مغربية تحصل على الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة صنف “الصحافة الإلكترونية”، تحدثت بمرارة عن موقف حصل معها في بدايات عملها بالميدان، قائلة: “الأمر أن تصرفا فيه الكثير من الفظاظة صدر عن زميل، مصور صحفي، حيث تعامل معي بشكل عنيف، دفعني من أمام المنصة حتى يتمكن من التقاط الصور، حتى أنه قال عبارات من قبيل (رجعي اللور) و(حيدي من هنا)”.
وتابعت “لا أعلم إن كان هذا الزميل تعامل معي هكذا لأنني امرأة، لكن كنت أنا الصحافية الوحيدة بين مجموعة من الرجال الذين يلتقطون الصور، ولم يصدر منه هذا التصرف إلا تجاهي”.
وتتمة للحديث، ضاغطة على موضع الجرح قالت: “هناك أمر تعاني منه الصحافيات عموما، ويشعرن معه بالضيم، وهو فرق الأجور الشاسع بين الرجال والنساء، وأنا واحدة من الصحفيات التي كن قد تعرضن له، مع أن مسألة الأجر هي أمر إداري محض إلا أننا بحكم الصداقة والزمالة، قد يفصح بعضنا لبعض بقيمة أجره، رغم أن المطلوب منكما واحد، لكن الأجر مختلف”.
وجوابا عن سؤال : أنت كامرأة كيف تقيمين الحضور الكمي والنوعي للمرأة في المؤسسات الصحفية؟
“يبقى عدد الصحافيات أقل طبعا من نظرائهن الرجال، لكن الصحافيات يبصمن عن اجتهاد وإبداع كبيرين، واستطاعت المرأة الصحفية أن تحقق ذاتها وتبرز كفاءتها في هذا المجال، وتكون قيمة مضافة للجرائد والصحف التي تشتغل داخلها”
أما عن ندرة تواجد الصحفيات في مركز القيادة “كرئيسات التحرير مثلا” فإنها تقول: “الكفاءة موجودة لكن أين هو الوقت؟ وسط مشاغل كبيرة ما بين العمل الصحافي الذي يتطلب ساعات عمل طويلة، وما بين الأطفال والأسرة والزوج، فالصحافة مرهقة، خاصة بالصحافة الإلكترونية التي تتطلب الآنية والمواكبة المستمرة على مدار الساعة، والمرأة الصحافية خاصة الأم، تغادر مكتبها لتبدأ دوام آخر داخل جدران المنزل”.
واختتمت حديثها، جوابا عن سؤال: هل القانون ينصف الصحافية في حال تعرضها لأي اعتداء؟ بالقول: “جواب صعب في ظرفية أصعب”. تاء التأنيث في بلاط صاحبة الجلالة صعوبات وعراقيل تعايشها المرأة الصحفية بالمغرب
* نتعرض للتحرش
سارة بوحافة صحفية في إحدى الجرائد الإلكترونية، تشتغل على مواضيع متنوعة، ولها حضور بارز في الصحافة الفنية خاصة، تفتح ملفات جرح، كنا نظن أن الزمن قد ولى عنها وطواها ناسيا إياها، وهي الصورة النمطية التي ترافق النساء، مما تجعل بعض الذكور يتحرشون بها فتقول: “نعم نتعرض للتحرش أثناء مزاولة المهنة خارج المكتب من أناس عاديين، وعموما الصحافيات تتعرضن للانتهاكات أثناء مزاولة عملهن، وفي بعض الأحيان نصادف أشخاص يستصغرون قدراتنا في الوصول إلى المعلومة أو تغطية الحدث، أما داخل المكتب والفريق ليس هناك أي مشكل، نشتغل كفريق واحد يطمح للرفع من مستوى منتوج الموقع”.
أما عن ندرة تواجد الصحفيات في مركز القيادة كرئيسات التحرير مثلا فتُرجع الأمر ل “حسب نظري، ربما لانشغالاتهن الأسرية والشخصية، فمنصب رئيس التحرير يتطلب مجهودا أكبر، ووقتا أكثر من الصحافي العادي”.
* نقاش مرفوض:
ليلى بالعربي صحفية مقدمة لبرنامج في إحدى الإذاعات الخاصة، تنطلق في بوحها الصادق بالقول: “بكل صدق المنبر الذي أشتغل فيه لمدة 12 سنة، لم يسبق لي الشعور فيه بالميز، بالعكس يثقون بنا، وليس هناك أي تفاوت في الأجور بين الذكر والأنثى، لكن من المؤكد أنني ألاحظ تمايز على مستوى المنظومة ككل، فأحيانا وأنا أناقش في برنامج حريتك، أكتشف أن المرأة نفسها تظلم نفسها، ففي بعض المرات إثر تناول موضوع يهمها، سواء قانونا أو قضية، أجد أن الذكور والرجال هم من يشاركون ويسيطرون على النقاش ومنهم الكثير ممن يدافعون عن المرأة”، مشيرة إلى صمت المرأة في التعبير عن نفسها في وسائل الإعلام.
وتضيف مسترسلة في بوحها: “المرأة قليلة الحضور ومازالت قليلة الحضور، ويسيطر المنطق الذكوري الذي يفضل الذكر على الأنثى، تفضيل الرجل عن المرأة، تفضيل الولد عن البنت، لأن هذه الصورة النمطية، وطريقة العيش كبرنا معها حتى في كنف الأسرة، وأظن أن المرأة المغربية أو الصحفية المغربية لم يتم إنصافها بعد”. وعن ظروف عملها هي شخصيا تقول “بكل افتخار أشتغل في راديو فتي، ورئيسة التحرير هي شابة جميلة جدا “غزلان رمزي” وهذا فخر لنا، أفخر أيضا بزميلات أخريات، صحفيات كافحن بانطلاقتهن من الصفر وبلغن عددا من المناصب”.
أما عن الصعوبات التي واجهت، أو قد تواجه فتعبر :”صراحة وأنا أمارس مهنتي، أشعر وكأنه لا أستطيع الذهاب لعدد من الأماكن بصفتي “صحفية”، مثلا “هزي الميكرو وسيري لبعض الأحياء قدمي نفسك كصحفية، لتتكلمي عن بعض الطابوهات”، أنت كامرأة لن تستطيعين الذهاب لتلك الأحياء، ولن تستطيعي ممارسة المهمة بكل أريحية، كوني على يقين من ذلك, ولن أنسى زميلة لي، هي الآن تعيش في كندا، كانت قد ذهبت لتشتغل على روبورتاج في محل قمار، وتعرضت لأبشع تحرش من طرف الرجال الذي يمارسون هذه العادة المنبوذة دينيا وأخلاقيا، فمثل هذه الممارسات ما زالت المرأة تعاني منها وتضطهد، ما زالت المرأة بصفة عامة ليس فقط في الصحافية، فأحيانا لمجرد كونك امرأة لا تقبلين لتناقشي موضوعا معينا، مثل العنف ضد المرأة، تشعرين بنفسك ما زلت تجاهدين، لتقولي أن المرأة كيان حقق ذاته”.
أما عن مسألة التحرش فتؤكد “هي واردة جدا بالنسبة للمرأة الصحفية، لكن الصحفية نفسها إن استطاعت إثبات نفسها فذلك التحرش بإمكانه أن يتحول إلى احترام، على الرغم من بعض العقليات لا سامحهم الله، تعرضت لبعض المواقف ولكن أستطيع أنني “نسلك راسي” لأنني لا أقبله ولن أقبله، وسأحاربه بكل الوسائل بدون الوصول إلى العنف”.
تاء التأنيث في بلاط صاحبة الجلالة
* النسوة يكتسحن الصحافة
عائشة التازي، أستاذة بالمعهد العالي للإعلام (الرباط) وصحفية سابقة بالإذاعة الوطنية، تضع يدها على عدد من الأمور المهمة في المجال بقولها: “في الواقع هناك عدم إنصاف للمرأة الإعلامية وتمثلات هذا اللآإنصاف تبدو من خلال مستويات: أولها ضعف نسبة الصحفيين بالمقارنة مع الصحفيات، وعلى مستوى أيضا مناصب القرار بالنسبة للمؤسسات الإعلامية فنادرا ما نجد صحفيات نساء يتولون مسؤولية إدارة بعض المؤسسات أو المقاولات الإعلامية، هناك استثناءات فمثلا: الإذاعة الوطنية امتلكت الوعي المبكر بهذا الجانب واستطاعت أن تمنح مسؤولية إدارة بعض القنوات الإذاعية للإعلام الجهوي لبعض الصحافيات، مثلا بالنسبة لإذاعة تطوان، كانت فيها الزميلة البقالي، وإذاعة الدارالبيضاء في مرحلة معينة كانت على رأسها الزميلة اسمهان عمور”.
وتضيف “هناك محطات عديدة تولت مسؤوليتها صحفيات، أيضا هناك عدم الإنصاف المتمثل من خلال الأجور المحصل عليها، للأسف الصحفيين الرجال يتقاضون أجورا أكثر من الصحفيات خاصة فيما يتعلق بالصحافة المستقلة، هناك أيضا بعض المهن الإعلامية إلى حد ما ما زالت مهنا ذكورية، كالتوضيب مثلا أو المصورين، وعدم الإنصاف هذا للأسف يتعمق أكثر من خلال بعض السلوكيات التي نلاحظ أن المرأة الإعلامية تعاني منها، على مستوى ما يقع لبعض الصحفيين في بعض المؤسسات كالتحرش، أيضا على مستوى احتكار بعض الصحفيين الرجال على بعض الأجناس الصحفية أو هيمنة ذكورية فيما يتعلق ببعض البرامج مثلا: البرامج الحوارية السياسية، إذن هناك مجالات هي محتكرة من طرف الرجل الإعلامي كالمجال السياسي”.
وبصوت يكسوه الكثير من طعم الأمل تختم حديثها بالتأكيد: “مع كل هذا نجد أنه بعد نفس طويل، في السنوات الأخيرة لاحت بوادر توحي بأن الإعلام القادم سيكون أنثوي بامتياز، لأنه داخل المؤسسات الإعلامية نجد بأن الخريجين أغلبهم شابات، وهذا إلى حد ما سيعيد التوازن الذي نطمح له في الأفق القادم”.
تاء التأنيث في بلاط صاحبة الجلالة صعوبات وعراقيل تعايشها المرأة الصحفية بالمغرب