صناديق الإيداع والتدبير في المغرب وفرنسا وإيطاليا وتونس تعزز تعاونها استجابة للتحديات الكبرى التي تواجه الحوض المتوسطي    ندوة بطنجة تبرز التحديات المتزايدة امام مكافحة غسيل الاموال في عصر التكنلوجيا    الدكتور التازي ما خرجش براءة.. تحكم ب3 سنين وها وقتاش ياخد مجلس هيئة الاطباء قرار فملفو وها اش كيقول القانون    ارتفاع حركة النقل الجوي بمطار الداخلة خلال الربع الأول من 2024    صديقي يزور مشاريع تنموية لقطاع الورد العطري بإقليم تنغير    اقتطاعات جديدة وغير معهودة تثير قلق زبائن الوكالات البنكية    صناديق الإيداع والتدبير فالمغرب وفرنسا وإيطاليا وتونس كتعزز تعاونها    المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"    بونو يقترب من تحقيق رقم تاريخي    تنظيم لحاق "الأطلس للفروسية" من 6 إلى 12 ماي الجاري بمدينة الحاجب    وزير العدل طير رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية فتاونات بعد فضيحة اختلاس 350 مليون من الصندوق    إجلاء قسري لمئات المهاجرين من مخيمات في العاصمة التونسية    مطالب برلمانية بالكشف عن نتائج دراسة الحكومة لآثار الساعة الإضافية    مثول أكثر من 200 أستاذ موقوف عن العمل أمام المجالس التأديبية    لقجع: "الوداد والرجاء والجيش أقطاب الكرة المغربية .. وعلى الأندية الأخرى كنهضة بركان الاشتغال أكثر لتلتحق بهم"    رؤى متقاطعة حول المساواة والعدالة والاستدامة خلال مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس"    طقس حار نسبيا اليوم السبت    انتهى الموضوع.. طبيب التجميل التازي يغادر سجن عكاشة    تطوان تحتضن ورشة تكوينية حول تسوية البنايات غير القانونية    "موج أزرق" للتشكيلي يوسف سعدون يغرق رواق محمد الدريسي بطنجة    إصابة حمد الله تزيد من متاعب اتحاد جدة السعودي    حسابات الصعود تجمع الكوكب المراكشي وسطاد المغربي في قمة نارية    فقدان 157 ألف منصب شغل خلال 3 اشعر يضع وعود الحكومة على المحك    أزيد من 100 مظاهرة لدعم غزة بمختلف المغربية وإشادة بالتضامن الطلابي الغربي    وفد من حماس إلى القاهرة لبحث مقترح الهدنة في قطاع غزة    لقجع يكشف سبب إقالة خليلوزيتش قبل أشهر من انطلاق كأس العالم 2022 وتعيين الركراكي    شرطة الحسيمة تترصد المتورطين في محاولة تهريب أطنان من المخدرات    نفي وتنديد بتزوير باسم " الأيام24″    بمشاركة مجموعة من الفنانين.. انطلاق الدورة الأولى لمهرجان البهجة للموسيقى    مؤجل الدورة 26.. المغرب التطواني في مواجهة قوية أمام نهضة بركان    وزيرة المالية تجري مباحثات مع أمين عام منظمة "OECD"    الصين تطلق المركبة الفضائية "تشانغ آه-6" لجمع عينات من الجانب البعيد من القمر    إلغاء الزيادات الجمركية في موريتانيا: تأثيرات متوقعة على الأسواق المغربية    هيئة حقوقية تطالب عامل إقليم الجديدة بوقف سراء سيارتين جماعيتين بقيمة 60 مليون سنتيم    تقرير أمريكي يكشف قوة العلاقات التي تجمع بين المغرب والولايات المتحدة        كيف تساعد الصين إيران في الالتفاف على العقوبات الدولية؟    إعدام أشجار يخلف استياء بالقصر الكبير    وفرة المنتجات في الأسواق تعيق طيّ "صفحة الدلاح" بإقليم طاطا    أزيلال.. افتتاح المهرجان الوطني الثالث للمسرح وفنون الشارع لإثران آيت عتاب    خبير تغذية يوصي بتناول هذا الخضار قبل النوم: فوائده مذهلة    بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا    الأمثال العامية بتطوان... (589)    بالصور والفيديو: شعلة الحراك الطلابي الأمريكي تمتد إلى جامعات حول العالم    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    باستعراضات فنية وحضور عازفين موهوبين.. الصويرة تحتضن الدورة ال25 لمهرجان كناوة    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    عكس برنامج حكومة أخنوش.. مندوبية التخطيط تكشف عن ارتفاع معدل البطالة في المغرب    ريم فكري تكشف عن معاناتها مع اغتيال زوجها والخلاف مع والديه    المغرب يفكك خلية كانت تحضر لتنفيذ اعمال إرهابية    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    اختتام الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهندس طار من طنجة إلى «دولة الخلافة» وصار أسيرا في سوريا..القصة كما ترويها والدته
نشر في الأيام 24 يوم 29 - 03 - 2021

أولا، نشكرك على قبول دعوتنا لإجراء هذا الحوار الذي قبلته بدون تردد.
هذا الملف كان مسكوتا عنه، ولم يكن المغاربة يعرفون تفاصيله. غير أن ما يجب أن يعرفه العموم أن ملف مغاربة سوريا والعراق عرف تطورات، والمغاربة الذين مازالوا هناك قاموا بمراجعات فكرية، وكل ما يطلبونه اليوم أن يعودوا إلى المغرب فقط، لا يريدون شيئا آخر غير هذا. جميعهم اصطدم بالأمر الواقع ولم يجدوا ما كانوا يحلمون به هناك في ذروة بزوغ نجم تنظيم الدولة. كل ما كانوا يحلمون به سراب، فلم يجدوا هناك أي فردوس مفقود. صحيح هم أخطؤوا، لكنهم قاموا بمراجعة أفكارهم السابقة.
وفي الحقيقة نحن نعول عليكم كصحفيين أن تسلطوا الضوء على هذا الملف. البعض يعتقد أن مغاربة سوريا هم مجرمون و»قتالة» غير أن الواقع يظهر أنهم ضحايا مغرر بهم.
بالمناسبة، ابنك متواجد اليوم في أحد السجون السورية، بعدما كان قد قرر بدوره قبل 5 سنوات أن يلتحق بتنظيم الدولة الإسلامية..
ابني كذلك من المغرر بهم. كان يدرس بمدرسة للمهندسين في طنجة، وكان متميزا على أعلى درجات العلم، وكان في اعتقاده أنه سيذهب إلى هناك ليستكمل دراسته في الهندسة، كما كان يعتقد أنه سيفيدهم بعلمه وبما تعلمه في مدارس المهندسين بالمغرب. غير أن ما وجده هناك لا يعكس ما كان يتصوره، فلا إسلام ولا حسن معاملة، فأصبح الآن «يطلب السلة بلا عنب»، وكل ما يريده بعدما اصطدم بهذا الواقع هو أن يغادر الأراضي السورية عائدا إلى بلده.
لنعد لتركيب الحكاية منذ البداية. حدثينا عن ابنك، وكيف لشاب عمره 20 سنة يدرس في واحدة من أرقى مدارس المهندسين بالمغرب أن يقرر في لحظة من اللحظات الالتحاق بسوريا التي يسيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية؟
كان ابني دائما متفوقا في دراسته، حصل على شهادة الباكالوريا في شعبة «العلوم الرياضية B»، ثم التحق بالأقسام التحضيرية التي لا يلجها سوى الطلبة المتفوقون. كان حينها شابا كسائر الشباب، أحيانا يصلي وفي الكثير من الأحيان لا، وأتذكر أنني كنت أنهره كي يواظب على صلواته الخمس.
احكي لنا عن الأسرة التي ترعرع فيها…
ترعرع في أسرة عادية، فأنا أستاذة أدرس اللغة العربية في مدينة طنجة، ووالده يشتغل في أحد المعامل بالمدينة، نعيش حياة عادية، نصلي ونصوم مثل جميع المغاربة، ولسنا بالمتشددين أو المتطرفين. أنجبت ولدين هو وأخ آخر له، وهما قرتا عيني. كنت حريصة على أن يتلقى أبنائي تربية جيدة، وكان سلوكهم جيدا بشهادة مدرسيهم ومحيطهم.
متى لاحظت أن سلوك ابنك بدأ يتغير؟
لاحظت بعض التغير عليه عندما كان يدرس في الأقسام التحضيرية، وهذا أمر طبيعي، بحكم أنه كان يعيش داخل وسط أسري، ثم انتقل للعيش في الداخلية حيث يتابع دراساته العليا، بمعنى أنه وجد بعض التحرر. فتعرف على شابة تطوانية جميلة تصغره بسنة واحدة، وبسبب ذلك لاحظت أنه بدأ يهمل دراسته بعض الشيء، فكان يمضي وقتا طويلا برفقتها ويشاركها في مراجعة الدروس.
فاتحته في الأمر، وأوصيته أن يركز على دراسته، غير أنه لما اجتاز الامتحان الوطني للأقسام التحضيرية في السنة الثانية، لم يحصل على نقاط جيدة، كما كان يفعل. ولذلك تبخرت كل أحلامه في الالتحاق بفرنسا لمتابعة دراسته، كما لم يتمكن من ولوج كبريات المدارس العليا بالمغرب، حيث لم يسمح له ترتيبه سوى بالالتحاق بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية (ENSA) وهي كذلك من بين مدارس المهندسين، بعدما اجتاز امتحاناتها فاحتل إحدى المراتب العشر الأولى على المستوى الوطني. ليلج بعد ذلك هذه المدرسة العليا. لكن بحلول العطلة الصيفية سألاحظ بعض التغيرات المفاجئة على ابني.
حدثينا عن هذه التغيرات؟
لاحظت أن ابني أهمل لحيته ولم يعد يداوم على حلقها كما كان يفعل، وأصبح مواظبا على الصلاة، ولم يعد يجالسنا بل يفضل أن يكون ميالا إلى العزلة. لا أخفيك أنني نظرت إلى هذه الأمور في شقها الإيجابي، وقلت في نفسي: «الحمد لله أن ابني هداه الله»، فهذا التوجه أفضل بكثير من تناول المخدرات والكوكايين كما يفعل بعض الشباب من أقرانه هداهم الله. لكن في مقابل ذلك لم أكن أتصور أن هذا التوجه سيقود ابني إلى إدمان من نوع آخر وانحراف من نوع آخر.
أصبح منعزلا، وكان يطلب مني أن أقول للأستاذات من صديقاتي اللائي يزرنني في البيت ممن درّسنه، أنه غير موجود. بمعنى أنه كان يرغب في تفادي السلام عليهن، حيث أصبح يعتبر المصافحة باليد حراما، كما أصبح يتجنب كذلك «السلام بالوجه» حتى على خالته.
أصبح ابني يقضي معظم وقته وهو يقرأ القرآن أو يتابع برامج لبعض الدعاة على اليوتيوب، إلى درجة أنه حين يشاهدها يجهش بالبكاء. كما أصبح يتجنب الجلوس بشكل مطول معنا أو مشاهدة التلفزيون، وكان ينهض على الساعة الثانية صباحا ليبدأ في قيام الليل. وفي هذه اللحظة بدأ ينتابني بعض الخوف، غير أنني في مقابل ذلك لم أكن أتخيل يوما ما أنه سيقرر الذهاب إلى سوريا.
ممّ كنت تتخوفين؟
كنت أتخوف أن يصاب بعقدة نفسية، خاصة وأن محيطه لم يكن كما يريده. فنحن نلبس لباسا عاديا ونعيش حياة عادية، وبنات خالاته يرتدين ملابس شبابية كباقي بنات اليوم، والذي أصبح هو ينظر إليه على أنه لباس فاضح.
بل أكثر من ذلك، طلب مني أن اشتري له دراجة نارية، فقد أصبح يمتنع عن ركوب الحافلة أو سيارة الأجرة، بداعي أن وسائل النقل العمومية يكثر فيها الاختلاط والاحتكاك، فكلفت نفسي واشتريت له دراجة نارية من الحجم الكبير.
في سنته الأولى بمدرسة المهندسين غير طريقة لباسه، فبعدما عفا عن اللحية، أصبح يرتدي لباسا غير مألوف لديه ولدينا كذلك، حيث تخلى عن سراويل «الجينز» وأصبح يلبس سراويل «قندريسية»، كما يأخذ معه «القندورة» للمدرسة، بداعي أنه يصلي هناك.
في السنة الثانية في مدرسة المهندسين استمر على نفس النهج، وبدأ يحصل على نتائج جيدة، كما كان يخبرني أنه يراجع دروسه باستمرار مع صديق له من مدينة أكادير، ويطلب مني أن أقوم بطهي الطعام لصديقه السوسي. ولما انتهت الدورة الأولى من الموسم الدراسي وبدأت العطلة، أخبرني أنه سيذهب لقضاء العطلة مع صديقه في أكادير، فوافقت على طلبه.
قبل موعد سفره المزعوم، خرج واشترى بعض الملابس التي سيحتاجها، كما ذهب إلى محطة الحافلات واقتنى تذكرة للسفر من طنجة إلى أكادير، وحين عاد إلى المنزل كان يصر أن يريني في كل مرة تذكرة الحافلة، لكي أتأكد بالفعل أنه ذاهب إلى أكادير رفقة صديقه.
في يوم الجمعة التي قرر فيها السفر، طلب مني أن أدعو والدتي وأختي وأخي لتناول وجبة الغداء برفقتنا، بينما ذهب هو إلى المسجد لصلاة الجمعة، ولما عاد تناولنا الغداء بشكل جماعي.
هل تتذكرين تاريخ ذلك اليوم؟
نعم، كان ذلك اليوم يوافق 29 يناير 2016. وقد تعمد أن ندعو في ذلك اليوم جدته وخالته حتى يتركني «ملهية» معهما، ولا ينشغل فكري معه.
سأحكي لك بعض التفاصيل عن شخصيته. كان شابا حنونا، يحكي لي كل شيء، باستثناء مخططه هذا، فلم يخبرني به. لم يكن يتناول الغداء إلا بحضوري، وأتذكر أنني أسبوعا قبل سفره تأخرت قليلا في العمل، وحين عدت إلى البيت وسألته لمَاذا لم يتناول الغداء بعد تأخري، نظر إلي وقال: «وا الواليدة، دبا تجي واحد لوقيتة تبغي تغداي معايا ومتلقاينيش». كانت هذه الجملة تحتمل الكثير من التأويلات، لكنني لم أكن أفهم قصده الحقيقي، فقلت له: «إيوا صافي زعما غتزوج وتبعد علي».
والمثير في الأمر أنه في الأيام الأخيرة قبل سفره، ظل يقبل يديّ ورأسي مرات عديدة في اليوم وبشكل مبالغ فيه.

الكلمة اللغز !

قلت إن هناك كلمة أثرت فيك كثيرا، قالها لك ابنك قبل سفره؟
نعم، توجه نحوي وقال لي: «الوالدة حنا مسامحين». وعندما سمعت هذه الكلمة لم أعد أقوى على الكلام، فأجابته خالته: «الله أولدي دبا تمشي لأكادير سالم وترجع لنا سالم ونفرحو بيك».
قبل رأسي عدة مرات، وسلم بحرارة على كل من في البيت، ثم خرج، فتبعته مهرولة. أدركته قبل أن يركب مصعد العمارة، فنظر إلي وقال: «الوالدة مالك؟». نظرت إليه مشدوهة وتسمرت في مكاني، وكأن إحساس الأمومة يقول لي إن شيئا ما ليس على ما يرام. وهناك نظرت إلى ولدي نظرة الوداع، ثم عدت لأجلس مع والدتي وأختي.
في صباح اليوم الموالي اتصل به والده ليستفسره هل وصل أكادير، فأخبره أنه على مشارف المدينة، لكن الواقع أنه لم يذهب لأكادير، بل ظل في مدينة طنجة. وفي اليوم ذاته اتصل بي في حدود الساعة الواحدة والربع، فأخبرني أنه وصل في أمان الله وأن صديقه استقبله بحرارة، كما أوصاني ألا أتصل به في ذلك اليوم لأنه سيخرج للتنزه مع صديقه في مدينة أكادير. صادف ذلك يوم 30 يناير 2016، في ذلك اليوم ركب ابني الطائرة من مطار طنجة متوجها إلى تركيا، على الساعة الرابعة مساء، ولذلك أوصاني ألا أتصل به. غير أن والده اتصل به بعد صلاة مغرب ذلك اليوم، فظلت تجيبه العلبة الصوتية للهاتف بلغة لم يفهمها، لا هي بالفرنسية ولا هي إنجليزية أو إسبانية. أعاد الاتصال عدة مرات من دون مجيب، حيث كانت لغة العلبة الصوتية هي التركية، لكن لم يخطر لنا أن ابننا التحق بتركيا في رحلة ستقوده لاحقا إلى سوريا.
في تلك اللحظة حاولت أن أقنع نفسي أن ابني بخير، وأن مشكلة هاتفه غياب التغطية فقط، وفي حدود الساعة العاشرة ليلا بعث لي رسالة نصية يخبرني فيها أنه بخير وأنه يتجول مع أصدقائه وسيتصل بي في الوقت المناسب.

المكالمة الصدمة: أمي «حاولي تنسايني» أنا في تركيا !

متى إذن ستعرفين أن ابنك توجه إلى تركيا وليس إلى أكادير؟
في أحد الأيام اتصل بي من خلال رقم تركي دون أن أعرف ذلك، وأخبرني أنه انتقل رفقة أصدقائه إلى ضواحي مدينة أكادير، وبالضبط إلى منطقة تسمى تاغازوت وأن هذه المنطقة تعرف تغطية ضعيفة في شبكة الهاتف، وحاول أن يطمئنني أنه بخير، وأنه لا داعي لأن أتخوف.
لكن في اليوم الموالي حدث ما لم يكن في الحسبان، بعدما تواصل معي شخصان، يسألان عن زوجي ليتحدثا معه في موضوع مهم. كان هذان الشخصان من عائلة شابين آخرين رافقا ابني في رحلته، أحدهما سائق طاكسي والآخر مساعد تاجر بقال. ويومها فقط علمنا أن ابننا توجه إلى تركيا وليس أكادير.
ماذا فعلتم بعد ذلك؟
تواصلنا مع الشرطة وأخبرناهم بالأمر، استمعوا لزوجي في محضر مطول وظل معهم في مخفر الشرطة من الساعة العاشرة صباحا إلى التاسعة مساء.
لكن متى تواصل معك ابنك مباشرة من تركيا؟
في تلك اللحظة اتصل ابني بالهاتف الثابت لجدته، التي هي والدتي، فبدأت والدتي تصرخ، فتوجهت نحوها وأخذت منها سماعة الهاتف، وبدأت بدوري أصرخ وأخاطبه: «رجع أولدي واش بغيتيني نموت».
وهناك تذكرت ما قاله لي قبل أن يسافر: «المسامحة الوالدة»، غير أنه قال لي كلاما أصعب من سابقه، حيث تفوه قائلا: «ماما صافي نسايني». لم أستوعب هذه الكلمة التي خرجت من فمه كالرصاصة القاتلة، ثم قطع خط الهاتف، ولا يمكنك أن تتصور حالتي في تلك اللحظة.
بعد ذلك سيتعرض ابنك للاعتقال في تركيا؟
نعم، وسيخبرني بذلك عبر رسالة نصية قصيرة مضمونها: «الوالدة شبرونا فالحدود السورية». قال أيضا إنه تم نقلهم إلى أحد المخيمات التركية، وسيتم بعد ذلك ترحيلهم إلى المغرب.
لا أنكر أنني كنت فرحة بهذا التطور، وكنت أعتقد أن ابني سيعود إلى المغرب، كما أخبرتنا أجهزة الاستعلامات بهذا، لكن حصلت تطورات أخرى بعد ذلك.
ما الذي حصل؟
قام ابني رفقة شباب آخرين بالهرب من المخيم التركي، وحاولوا دخول سوريا، غير أن القوات التركية ألقت القبض عليهم من جديد، وتم الحكم عليه بسنة سجنا نافذا، قضاها كاملة، وكان يتواصل معي هاتفيا من السجن.
اتصلنا بالاستعلامات مجددا حيث اعتدنا أن نخبرهم بأي تطور جديد، كما تواصلت مع مجموعة من المحامين أملا في تنقيل ابني لقضاء عقوبته السجنية في المغرب، لكن ذلك لم يكن ممكنا، كما حاولت أن أنتقل بنفسي إلى تركيا لأعيده.
يوم 2 فبراير 2017، بعث لي ابني رسالة قصيرة يخبرني أنه أنهى عقوبته السجنية، وأنه أصبح حرا طليقا، فطلبت منه أن يعود إلى المغرب، غير أنه رفض، وقال إنه يفضل أن يبقى في تركيا ليبحث عن عمل، خوفا من اعتقاله حين يعود إلى المغرب، كما أخبرني أنه تخلى عن أفكاره السابقة.

والدتي أنا نادم على قراري وأريد العودة للمغرب

هل راودت ابنك رغبة في أن يهرب من تنظيم «داعش»؟
في شهر نونبر 2017، بعث لي رسالة نصية يقول لي فيها: «الوالدة خصني نخرج من هنا». وبدأ يحدثني عن ندمه وعن مراجعاته الفكرية وأنه كان مغررا به، كما لم يجد ما كان يعتقد أنه الفردوس. أخبرني أن تنظيم الدولة لا علاقة له بالإسلام، وأن هناك ظلما كبيرا.
ما الذي كان يفعله ابنك ضمن تنظيم «داعش»؟
لم يفعل أي شيء، لا هو دخل جبهات القتال ولا هو اشتغل ولا هو أتم دراسته كما كان يتمنى. منذ تلك الفترة ونحن نفكر في طريقة يتمكن بها من العودة للمغرب. وقد اجتمع العديد من المغاربة بينهم، في محاولة منهم للهروب من «داعش».
يبدو أن ابنك عاش معاناة كبيرة في جحيم تنظيم الدولة؟
نعم، حكى لي مرة أنه تناقش مع مغربي بخصوص الإسلام، فقال ابني إن هذا «الإسلام الداعشي» ليس هو الإسلام الحقيقي الذي جاؤوا من أجله، فبلغ ذلك الشخص عناصر تنظيم الدولة بكلام ولدي، الذي أصبح مبحوثا عنه لمحاكمته باعتباره حسب رأيهم «مرتدا» وربما «خارجا عن إسلامهم»، فظل ابني لأيام وأيام متخفيا حتى لا يتم القبض عليه ومحاكمته. علما أن محاكمات تنظيم الدولة الإسلامية تكون مزاجية، حيث يمكن أن يحكموا عليك بعقوبة تصل إلى حد الإعدام، فما كان من ابني سوى أن يخبرهم «تقية» أنه تراجع عن أفكاره حتى يتجنب بطشهم.

القرار الصعب: التوجه إلى سوريا والالتحاق ب"داعش"

لكن ابنك سيلتحق بعد ذلك بسوريا؟
نعم، يوم 15 مارس 2017 سيتصل بي ابني هاتفيا، وكنت حينها في الفصل الدراسي أزاول مهامي. أخبرني أنه اشتاق إلي كثيرا، وأثناء المكالمة كنت أسمع صوت الأمواج، دون أن يخبرني بوجهته، حيث اختار يومها أن يلتحق بسوريا انطلاقا من تركيا، وكانت رحلته بحرا.
يوم 25 مارس 2017، بعث لي صورته عبر رسالة «واتساب» يرتدي طربوشا وقميصا من الصوف ويحمل بين يديه قطة صغيرة، فقلت له: «فين نتا؟»، فأجابني جوابا غير متوقع: «أنا في سوريا».
أصبت بهستيريا، ولم أصدق الأمر، خاصة وأن ابني سبق وأن أكد لي أنه تخلى عن أفكاره السابقة بعد عقوبة السجن التي قضاها في تركيا.
التحق ابني ب»إدلب»، وأصبح مقيما لدى تنظيم «داعش» ضمن ما كانوا يسمونه ب»المضافة»، وكان يتواصل معي هاتفيا مرة في الأسبوع بشكل منتظم.
هل التحق ابنك بجبهات القتال؟
لم يلتحق بجبهات القتال، بل قال لي إنه سيدخل الجامعة ليكمل دراسته. ويوم 16 يوليوز 2017 تلقيت رسالة هاتفية من مجهول، مضمونها كالتالي: «ابنك دخل أرض الإسلام».
ما الذي فهمته من هذه الرسالة؟
أن ابني التحق بهم.
يعني أنه التحق بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»؟
هذا الاسم يقززني، ولا أقوى على نطقه. وبعد ذلك كنت أتلقى رسائل بين الفينة والأخرى من ابني يؤكد لي أنه بخير. غير أنني كنت أتوقع أن أتلقى يوما ما رسالة تخبرني أنه فارق الحياة.
هل تمنيت يوما ما أن يفارق ابنك الحياة حتى ينتهي هذا الكابوس الذي عشته وتعيشينه؟
أبداً، لم أتمن ذلك قط. ودائما لدي أمل في أن يعود سالما.
هل ندم ابنك على قراره هذا؟
صرت ألاحظ تغيرا كبيرا في لهجته. بدأ يشعر بخطورة قراره، وبدا مقتنعا أن قراره لم يكن صائبا، وأننا نحن من كنا على صواب. وفي أحد الأيام بعثت رسالة نصية لابني مضمونها «واش داكشي لي بعتينا من أجلو لقيتيه تما؟». فلم يجبني على هذا السؤال، بكل بساطة لأنه مقتنع أن قراره خاطئ.

الفرار من «داعش» والوقوع في قبضة القوات السورية

بعد ذلك سيقرر ابنك رفقة مغاربة آخرين الهرب من جحيم «داعش»؟
نعم، كان يبحث عن مهرب ينقله رفقة مغاربة آخرين إلى تركيا، وقد بدأت رحلته في الهرب في فاتح أبريل 2018.
يبدو أن هذا التاريخ صادف بداية انهيار تنظيم «داعش»؟
نعم، خاصة وأن قوات التحالف الدولية غزت مناطق التنظيم.
في أحد الأيام بعث لي صديق لابني رسالة على «الواتساب» يقول لي: «الوالدة دعي معنا حنا دابا شادين الطريق إلى تركيا»، وكان يتم تسليمهم من مُهرب إلى مهرب. وبعد ذلك تواصلوا معي وأخبروني أنهم على مشارف تركيا، حيث لا يبعدون عنها سوى خمس كيلومترات، سيقطعونها على أقدامهم.
في اليوم الموالي، استفقت صباحا وكنت أنتظر أن تصلني رسالة منهم تبشرني بدخولهم الأراضي التركية، لكن لم تصلني أية رسالة، حيث تم اعتقالهم من طرف القوات السورية. ومنذ ذلك الحين وهو قابع في السجن هناك إلى غاية اليوم. يتواصل معنا اليوم عبر «الصليب الأحمر»، وكل أملنا أن يحدث انفراج في هذا الملف وتوافق السلطات المغربية على ترحيلهم للمغرب، بعدما قاموا بمراجعات فكرية، وهم لا يمانعون أن يقضوا عقوبات سجنية هنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.