خطوة أخرى للتراجع عن قرارات وسياسات الحكومة السابقة، يوقّع عليها وزير الداخلية السابق، وزير التربية الوطنية في حكومة سعد الدين العثماني. حصاد وقع على مشروعي مرسومين، ينتظر أن يعرضا على مجلس حكومي مقبل، أحدهما يتضمن مادة واحدة، تقول ب"نسخ"، أي الإلغاء التام لمرسوم سابق أصدره وزير التعليم العالي في حكومة عبدالإله بنكيران، الحسن الداودي. فيما يدخل المرسوم الثاني بعض التعديلات على المرسوم السابق للخطوة التي قام بها الداودي، والمتمثلة في إحداث مدارس "بوليتكنيك" في مختلف جامعات المغرب، عبر توحيد عدد من المدارس التابعة لها. وفي الوقت الذي تعذّر على "أخبار اليوم" الحصول على توضيحات من الوزير السابق لحسن الداودي، أو كاتب الدولة الجديد في التعليم العالي خالد الصمدي؛ ضمّن حصاد في إطار مذكرتي تقديم مرسوميه الجديدين مبررا واحدا لهذا الإلغاء، يتمثل في "صعوبات حالت دون التنزيل الأمثل لهذا المرسوم خلال السنة الجامعية 2016-2017". مشروع المرسوم الأول الذي أعده حصاد، ينصّ على "نسخ" المرسوم الذي أصدره الداودي شهر غشت الماضي فقط، والمتعلق بالمؤسسات الجامعية والأحياء الجامعية. "تنسخ مقتضيات المرسوم 2.15.644′′، يقول مشروع المرسوم الجديد، مضيفا في مادة ثانية إسناد تطبيق هذا القرار إلى وزير التربية الوطنية والتعليم العالي. وفي الوقت الذي كان مرسوم الداودي يعدّل مرسوما سابقا صدر في العام 1991، خصّص حصاد مشروع مرسومه الثاني لتعديل هذا الأخير، بتضمينه المؤسسات الجامعية الجديدة التي أحدثت مؤخرا، وهي كل من المدرسة العليا للتكنولوجيا بسيدي بنور، وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بآيت ملول، ومعهد علوم الرياضة التابع لجامعة سطات. في المقابل يعيد مشروع المرسوم الجديد العمل بالتسميات السابقة للمؤسسات الجامعية، أي تفكيك مدارس ال"بوليتكنيك" التي أحدثها مرسوم الداودي، والإبقاء بشكل منفصل على كل من المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، وكلية العلوم والتقنيات، والمدرسة العليا للتكنولوجيا.
وزير التعليم العالي، والذي أصبح وزير الحكامة في الحكومة الحالية، لحسن الداودي، كان قد خاض معارك كبيرة وطويلة من أجل تمرير مرسومه، مدافعا عنه بكون تطوير التعليم العالي والبحث العلمي في المغرب، يتطلّب تجميع الإمكانيات وتوحيدها. كما دافع الداودي عن "إصلاحه" هذا بضرورة إحداث أقطاب جامعية وأكاديمية كبيرة، تسمح بالرفع من مردودية المؤسسات القائمة. وفي الوقت الذي كان الداودي قد عمد إلى توحيد بعض المؤسسات الجامعية، نصّ أحد مشروعي مرسومي حصاد، على إعادة تفكيك كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، والاحتفاظ بكليتين كما كان في السابق. المرسوم يعيد إدراج كل من كلية الآداب ظهر المهراز وكلية الآداب سايس، في التعديل الذي يهم مرسوم 1991 المتعلق بالمؤسسات الجامعية والأحياء الجامعية. قرارات الداودي كانت قد واجهت صعوبات ومقاومات، حيث تأجلت مصادقة المجلس الحكومي على المرسوم الخاص بإحداث مدارس ال"بوليتكنيك"، ثم اندلعت احتجاجات رافضة لتطبيقه. طلبة المدارس الوطنية للعلوم التطبيقية (ENSA) كانوا أكبر الرافضين لهذا المرسوم، حيث اعتبروه مجحفا في حقهم ومضرا بقيمة شهاداتهم في حال إدماج هذه المدارس مع المؤسسات الأخرى. ودخل طلبة هذه المدارس في إضرابات، سرعان ما التحق بهم الأساتذة وهيئات نقابية. وفي الدخول الجامعي الماضي، عبّر لحسن الداودي عن استعداده للقيام بتنازلات، تتمثل، أساسا، في إخراج المدارس الوطنية للعلوم التطبيقية من مرسومه السابق، مشترطا انتظار تشكيل الحكومة الجديدة بعد انتخابات 7 أكتوبر الماضي. حصاد الذي انتقل من وزارة الداخلية في حكومة بنكيران، إلى وزارة التعليم في حكومة العثماني، وشكّل إحدى مفاجآت الحكومة الجديدة بحمله لألوان حزب الحركة الشعبية؛ سارع، منذ الأيام الأولى على رأس وزارة التعليم، إلى اتخاذ قرارات تتراجع عن سياسات حكومة بنكيران. فبعد قراره السريع وشبه الفوري المتمثل في مراجعة أحد مقررات مادة التربية الإسلامية التي صدرت حديثا؛ قرّر محمد حصاد التراجع عن قرار آخر من مخلفات حكومة عبدالإله بنكيران، يتمثّل في تمكين أساتذة التعليم العمومي من مواصلة العمل في المؤسسات الخصوصية، في الوقت الذي كانت حكومة بنكيران قد جعلت 2017 آخر أجل لإنهاء هذه الازدواجية. الوزارة أصدرت قبل أسابيع بيانا تعلن فيه "الترخيص لأطر هيئة التدريس بإنجاز ساعات عمل إضافية بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي، وذلك حتى يتسنى للقطاع توفير حاجياته من الأطر التربوية المؤهلة من أجل سد خصاصه، خاصة في سلكي التعليم الإعدادي والثانوي التأهيلي واللذين يستوعبان حاليا نحو 281 000 تلميذة وتلميذ". وأوضح بيان الوزارة أن هذا الترخيص سيمنح "للأساتذة الذين يقومون بإنجاز ساعاتهم الكاملة في مؤسسات التعليم العمومي". هذا الإعلان يفيد بإلغاء قرار غير مسبوق كانت حكومة بنكيران قد اتخذته بعد معركة طويلة، انطلقت في عهد الوزير الاستقلالي محمد الوفا، واستمرت بعد تعويضه بالتكنوقراطي رشيد بلمختار. وبرّرت وزارة حصاد هذا القرار بمقتضات القانون 00-06 التي تنص على أن "مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي يجب أن يكون لها هيئة دائمة للتدريس بنسبة لا تقل عن 80 %، غير أنه يجوز لهذه المؤسسات في حالات استثنائية مبررة، أن تستعين بمكونين أو مدرسين يعملون بمؤسسات التكوين أو التعليم العمومي أو الخصوصي بعد الحصول على إذن فردي من الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين المعنية، وذلك برسم كل سنة دراسية ولمدة زمنية محددة". لكن مقررا رسميا صدر في فبراير 2015، زكى من خلاله الوزير السابق رشيد بلمختار قرارات سلفه الوفا، ونصّ على المنع التام لجميع أطر المدرسة العمومية من الاشتغال في مؤسسات خاصة، مع ترخيص استثنائي للمؤسسات التي كانت تعتمد أصلا على أطر من القطاع العام، بالاستعانة بتلك الخدمات في فترة استثنائية تنتهي في متم الموسم الدراسي 2016-2017. القرار الأول الذي اتخذه حصاد باستجابته لمطلب تغيير مقرر للتربية الإسلامية، بطلب من أساتذة للفلسفة اعتبروه مسيئا لمادتهم، كان عبدالإله بنكيران قد خرج شخصيا لمهاجمته، حيث قال في لقاء جمعه مع الفريق البرلماني لحزبه عشية تنصيب حكومة العثماني، إن قرار حصاد، هو "بمثابة لعب بالنار في قطاع حساس فيه الآلاف من الأساتذة، ويضم ما لا يقل عن سبعة ملايين تلميذ، ناهيك عن أسر هؤلاء التلاميذ". واعتبر بنكيران أن حصاد بقراره السريع انتصر لفئة ضد أخرى، و"جلس فقط، مع قلة من أساتذة الفلسفة، واتخذ القرار أمام هذه القلة دون أن يستمع إلى أساتذة التربية الإسلامية، أو يعير أي اهتمام لرأيهم في الموضوع".