يعود ديسمبر من جديد ليعانق آمالنا و أحلامنا ، يشاركننا خيباتنا و إخفاقاتنا و أيضا انكساراتنا في شهر يأذن برحيل سنة حملت في طياتها الكثير من الأحداث الوطنية ، العربية و الدولية ، شهر يقبل و في جعبته ذكرى أليمة بدلالات سياسية عدة عنوانها الأبرز الاغتيال ، في شتاء بارد من سنة مغربية باردة كان فيها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مرة اخرى في موعد مع الموت ، و هذه المرة اختار المجرمون الهدف بدقة لأنهم كانوا يعرفون جيدا ماذا كان يمثله اسم الشهيد عمر بنجلون في المشهد السياسي الوطني آنذاك ، في يقينهم أنهم باغتيالهم لشهيد الحرية و الفكر سيغتالون معه فكرا متنورا و مشروعا حداثيا ديموقراطيا استمر و لا يزال بعد عملية الاغتيال الجبانة ، من شرفة التاريخ الذي يأبى النسيان يطل علينا الشهيد عمر سائلا عن أحوالنا و هو يعرف جيدا أن المغرب الذي استشهد في سبيله لا يساوي شيء دون أبناءه و شرفائه. إن ذكرى اغتيال الشهيد عمر بنجلون ليست مناسبة لاستحضار شخصية سياسية عاشت لمبادئها و لنصرة أبناء شعبها و استشهدت من أجل وطنها فحسب و لكنها أيضا مناسبة لاستلهام العبر و الدروس من التراث الفكري و النضالي الغني الذي يجدد من خلاله الاتحاديون و الاتحاديات و معهم كل أحرار وطني من قوى اليسار العهد لمواصلة الطريق التي رسمها لنا شهيد الحرية و القلم الحر و هي كذلك مناسبة متجددة للدعوة الى الكشف الكامل عن المتورطين الحقيقيين في عملية الاغتيال التي أنهت حياة طويلة و حافلة بالنضال الحقيقي و بالدفاع المستميت عن الجماهير الشعبية و أطفأت شعلة متوهجة تركت بصمتها واضحة في تاريخنا السياسي الوطني عبر مجموعة من المحطات الوطنية و المواقف العربية و الافريقية و في مقدمتها القضية الفلسطينية التي لم تغب في يوم من الأيام عن اهتمامات الشهيد عمر بنجلون . 41 سنة هي عمر هذه الجريمة السياسية التي ارتكبت باسم الدين عندما فشل أصحابها عن مقارعة الفكر بالفكر ، عندما كان مناضلو الاتحاد الاشتراكي يقاومون خبث الأجهزة القمعية والسياسات اللاشعبية للدولة و عندما كان أبناء القوات الشعبية يساقون الى المحاكمات الصورية و تصدر أحكام الاعدام و المؤبد في حقهم ، و عندما كانت الطرود الملغومة توجه الى قياداتهم كان أصحاب اللحى و العمامات الدينية يعيشون في نعيم الادارة و يرضعون من ثديها حليب الغدر و خيانة الشعب فلم يجد هؤلاء من سبيل سوى التخطيط لإسكات صوت الشعب الذي ظل واقفا رغم كل ما تعرض له من أحكام بالإعدام و محاولات القتل و رغم كل الاغراءات التي قدمت له اختار الاصطفاف الى جانب أبناء شعبه من الطبقات المسحوقة التي تعمل حكومتنا اليوم على استهدافها بسياسات لا شعبية تفقيرية حاربها الشهيد عمر و وقف ضدها بالصوت العالي و بالمواقف الرجولية التاريخية التي لا تزال راسخة في عقول العديد من المناضلين و بخاصة أولائك الذين عاصروا الشهيد و قاسموه الهم النضالي و السياسي خلال فترة حالكة من مسيرة كفاح و نضال واحد من أبناء المغرب العميق ، فكانت جريمة اغتيال الشهيد عمر القادم من أقصى نقطة من شرق المغرب الذي قدم أبنائه التضحيات الكبيرة تماشيا مع نهج أبائهم في محاربة الاستعمار و أذنابه . أكيد أننا كجيل جديد لم نعايش تلك الفترة التي كان الانتماء فيها الى الاتحاد الاشتراكي جريمة تدخلك غياهب و دهاليز المعتقلات السرية و حتى العلنية ، لكن انتمائنا الى الحركة الاتحادية خصوصا و الى عائلة اليسار عموما و كذا انتمائنا الى مدينة عين بني مطهر البلدة التي شهدت ميلاد الطفل عمر تدفعنا اليوم و نحن نحيي ذكراه 41 الى المطالبة بالكشف عن الجهة او الجهات التي كانت وراء جريمة الاغتيال و ليس منفذيها و التي اتخذت من الدين الاسلامي الحنيف مطية و وسيلة رخيصة لحشو عقول و قلوب المنفذين حقدا و غلا و بأمور لا علاقة لها بالدين الاسلامي السمح ، فمن راهنوا على أن فكر عمر و نضال عمر سيموت و يخبوا باغتياله أخطئوا التقدير لأن عمر و رغم استشهاده في يوم حزين من سنة 1975 ظل و ما زال حاضرا في قلوب و وجدان كل الوطنيين الصادقين من أبناء المغرب و في مقدمتهم ابناء عين بني مطهر الذين يطالبون و هم يستعيدون محطة من المحطات الخالدة في مسيرتنا السياسية و النضالية الوطنية بإعادة الاعتبار لاسم الشهيد عمر من خلال احياء ثراته السياسي و النقابي و الاعلامي و كذا التسريع بإخراج مؤسسة عمر بنجلون إلى حيز الوجود و نتمنى صادقين أن تأخذ القيادة الحالية على عاتقها تفعيل هذا المطلب و هو أقل ما يمكن أن نقدمه لعائلة الشهيد الصغيرة و للعائلة الاتحادية و عموم الجماهير الشعبية التي أحبت عمر الانسان المواطن ابن الشعب و بكت عمر الشهيد و هي تودعه و تشبعه الى مثواه الأخير في مشهد مازال راسخا في مخيلة كل من عايش الشهيد عمر بنجلون المناضل الصلب و الإنسان الشهم .