شهدت المكتبة الجامعية محمد السقاط بالبيضاء، بعد زوال يوم الأربعاء 21 ماي 2014، لقاء متميزا مع المفكر المبدع محمد الناجي حول كتابه Le fils du prophéte حيث حرصت خمس مكونات ثقافية مدنية على تحضيرهذا اللقاء بمبادرة من شبكة القراءة بالمغرب، إلى جانب مركز أجيال 21 للمواطنة و الديمقراطية، والمكتبة الجامعية محمد السقاط، و شعبة الفلسفة بكلية آداب بنمسيك، ومختبر السرديات بنفس الكلية، و دار النشر ملتقى الطرق. أمام حضور وازن من عشاق القراءة، والمهووسين بقلق السؤال، من مثقفين و جامعيين و مهندسين، من مختلف الأجيال، نساء و رجالا...انطلق اللقاء بكلمة ترحيبية و تقديمية للأستاذ عبد الرحمان الغندور الذي أدار اللقاء. وفي كلمته، أشار الاستاذ الغندور، إلى أن كتاب Le fils du prophéte يأتي بعد سلسلة من الدراسات العلمية التي أنجزها الأستاذ الناجي، والتي اهتمت بصورة خاصة، بالمسكوت عنه في الثقافة العربية الاسلامية، و لا سيما ظاهرة الرق و السلطة و الدين التي أفرد لها مؤلفين مرجعيين ترجما الى عدة لغات و اعتمدا في العديد من الجامعات العالمية، و هما : - الرق في مغرب القرن التاسع عشر - الرق، السلطة، و الدين في العالم العربي و يأتي كتاب Le fils du prophète في نفس السياق ليعالج بشكل روائي تاريخي، قصة زيد بن حارثة التي يرويها على لسان ابنه أسامة بن زيد، وهما من كبار صحابة الرسول محمد، مستعرضا الوقائع الحاسمة في حياة زيد، بدءا بتبني الرسول له، وإشهاد قريش أن زيدا ابنه بنوة كاملة يرث كلا منهما الآخر، مرورا بزواج زيد بزينب بنت جحش (ابنة عمة الرسول) ثم طلاقه منها، ليتزوجها الرسول فيما بعد، وانتهاء بتحريم التبني بعد نزول سورة الاحزاب. أثارت هذه الوقائع جدلا بين المسلمين على عهد الرسول إلى أن تم حسمها بتدخل النص القرآني الذي أدخل هذا النقاش إلى دائرة المسكوت عنه. الكتاب إذن، ليس رواية للتاريخ، ولكنه مساءلة له، و استنطاق لوقائع تجنبت الثقافة الاسلامية الخوض فيها و اعتبرتها من مكونات العقيدة و الايمان، بسبب الخطوط التكفيرية الحمراء التي وضعها « المقدس « أمام العقل مما ساهم في تحنيطه وجعله بنية تكرارية تعيد إنتاج ذاتها في كل لحظة. يهدف الكتاب، حسب قراءة الأستاذ الغندور، إلى خلخلة بنية المقدس و معها بنية العقل المسلم في كل أبعادهما و مكوناتهما ونصوصهما و تاريخهما. داعيا إلى تحرير العقل المسلم من سلطة المقدس و مقدس السلطة حتى يتسنى له إثبات حضوره في زمن العقلانية و الحداثة و الديمقراطية و الحرية و كرامة الانسان. تناول الاستاذ الناجي في عرضه المركز، الطريق الذي أوصله الى البحث في هذه القضايا المسكوت عنها. موضحا أن تخصصه كأستاذ للاقتصاد بعيد عن الخوض في هذه الاشكالات الثراتية... لكن مصاحبته للباحث بول باسكون و مشاركته في عدد من الدراسات و المؤلفات، قادته إلى مدرسة «إيليغ» بسوس حيث سيتعرف على مخطوطاتها وكتابات روادها خاصة العلامة المختار السوسي في كتابه « المعسول «. وسيعاين في هذه الرحلات الدراسية عددا من الظواهر الاجتماعية التي لا تخضع للنقاش والبحث والمساءلة. ولا سيما علاقة السلطة الحاكمة بظاهرة الرق والحرية وتحرير الرقبة التي تشكل فعلا سياسيا يستمد شرعيته من النصوص المقدسة، حيث يظل العبد المملوك مرتبطا بسيده حتى في حالة تحريره، فاقدا لكل حرية حقيقية كما كانت سائدة مع مفهوم « السائبة « الذي كان سائدا في العصر الجاهلي، والذي كان تحريرا حقيقيا أو مفهوم التبني الذي حرمه الاسلام والذي كان يضمن للمتبنَّى نفس الحقوق التي يضمنها للأبناء البيولوجيين بما فيها الحق في الإرث. وأكد الاستاذ الناجي أن تحويل التبني إلى كفالة فيه إضرار بالحقوق الاساسية للفرد المكفول وحرمانه من حقه في المساواة والكرامة التي يضمنها التبني. زيد بن حارثة تبناه الرسول، وأشهد قريش على ذلك، حتى أصبح زيد يسمى زيد بن محمد...وفي لحظة مثيرة للسؤال سيقع التخلي عن التبني مع نزول سورة الاحزاب، مما يحرم زيدا من حقوقه في إرث الرسول... بما في ذلك الحق في الخلافة و هي الظاهرة السياسية التي سينشأ عنها ما يعرف بالفتنة الكبرى التي سيذهب ضحيتها ثلاث من خلفاء الرسول. قضية زيد إذن هي قضية علاقة الواقعي الملموس بالمقدس المتعالي... مثلها مثل العديد من القضايا التي لم يعد النص المقدس يستوعبها في صورته الجامدة والمحنطة مثل الارث وتعدد الزوجات وحقوق المرأة....الخ. كان هذا العرض المركز للأستاذ الناجي مفتاحا لما ميز هذا اللقاء، وهو المشاركة الغنية للحاضرين الذين لم يناقشوا النص الروائي التاريخي في جزئياته، بل تجاوزه إلى القضايا التي يطرحها. ولا سيما الموقف من المقدس بالنسبة للعقل المسلم والثقافة الاسلامية عموما الذي يجرد النص من سياقاته التاريخية و يبعد السياقات المعاصرة عن عملية تفكيك هذا النص وخلخلته من أجل فهم معاصر له. لم تكن المناقشة التفاعلية بين الاستاذ الناجي والحاضرين، طعنا في المقدس، بل دعوة إلى فهمه و تعقله و ذلك بالفصل بين ظاهرة الايمان كمعتقد شخصي و ذاتي، والظواهر الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تشكل الواقع الملموس في صيرورتها وتحولاتها الحتمية والتي تتطلب معالجات عقلية علمية اجتهادية بعيدا عن التحنيط تكفيري باسم المقدس، والذي لا يضيف لهذا الواقع إلا المزيد من التخلف و التأزيم. انتهى اللقاء بتوقيع الاستاذ الناجي لكتابه على إيقاع الدعوة إلى جرأة العقل وعقل الجرأة في التعامل مع المقدس ومع الواقع.