عشق قاتل يتحدث رشيد عن مشاهد طبعت حياته، مرتبطة بالسجائر وبأقرب المقربين منه، وهو والده، قائلا: منذ أن صرت واعيا بما يدور حولي منذ نعومة أظافري وأنا أعاين والدي وهو يدخن السجائر، بشراهة وبنهم شديدين، تارة مقبلا على هذه العلامة التجارية من السجائر، وتارة أخرى على علامة ثانية، وأحيانا علامات أخرى، مما كان يظهر على أنه غير ملتزم بنوع واحد له خصوصية، كما قد يروج لذلك البعض، لأن السموم في تلك السجائر واحدة ونتيجتها واحدة. نتيجة للأسف جد مأساوية، ففي الوقت الذي كنت في حاجة إلى والدي، غادرنا بعد صراع مرير مع المرض، وذلك بسبب هذه السجائر التي نخرت جسمه بالكل بعد أن نخرت رئته متسببة له في سرطان الرئة. رحل والدي تاركا ثقلا كبيرا، رحل دون أن نمنح لنفسينا مساحة زمنية أكبر لتقاسم تفاصيل الحياة اليومية، السعيدة منها والحزينة، فقبل أن يشتد عودي كما يقال، غادرنا ورحل دونما استئذان، والمتسببة في رحيله هي رفيقته التي كانت أكثر قربا إليه منا، التي كان يعشقها حدّ الجنون ولايقوى على فراقها، فكنت تراه يضمها إلى شفتيه صباح مساء، أثناء العمل، في المقهى، في الشارع وفي البيت كذلك، وحتى قبل وبعد الأكل، بل إنه في شهر رمضان الأبرك، وعندما كانت الصافرة تعلن موعد الإفطار بعد يوم طويل وشاق من الصيام، كان يهرع إليها شغوفا غير مسبوقة بأي شيء آخر، فكان عشقه لها عشقا مجنونا، جرّ عليه الويلات، وذقنا مرارته التي لاتزال ترافقنا إلى اليوم، بعد أن غادرنا ولم نعد نراه إلا من خلال الصور التي بقيت، والتي كل صورة منها تبين هي الأخرى ملامح اندحاره خلال سنوات عمره بفعل تلك السيجارة القاتلة. تدخين لاإرادي إذا كان رشيد قد تضرر معنويا، فإن حسن تضرر ماديا، فهذا الشاب الذي يعاني من الربو والذي باتت زفرات أنفاسه مرتبطة بالبخاخات، وأضحى يحذر الضحك المتواصل، والضباب، وتقلب المناخ، وغيرها من العوامل، بما فيها دخان السجائر، يتذكر كيف أن مرض الربو المزمن الذي يعاني منه لم يكن وراثيا، ولكنة مرض اكتسبه بفعل تدخين والده في البيت. الإدمان على تدخين السجائر في البيت من طرف الأب لساعات طوال، إلى جانب حسن الطفل الصغير منذ نعومة أظافره، الذي كانت والدته لاتتركه يخرج للعب في الزقاق في محاولة منها في تقديرها، لتربيته تربية حسنة وقويمة بعيدا عن أية مسلكيات شائنة قد يكتسبها من الشارع العام، أثر على وضعه الصحي منذ الصغر، فكان دائم التردد على قسم المستعجلات بفعل نوبات «التوقيفة» التي كانت تعتريه بين الفينة والأخرى، والتي كانت تتطلب تدخلا مستعجلا بواسطة الأوكسجين. نوبات ظلت تتردد على جسد حسن الصغير، وذلك رغم تنبيهات الأطباء بأن الأمر قد يتطور إلى مرض الربو المزمن، لكنها نصائح لم تلق صداها، وذلك لكون هذه الأسرة الصغيرة تعيش تحت سقف بيت واحد فقط بفعل ظروفها المادية، هذه الظروف التي حالت دون أن يستفيد حسن من تتبع طبي منتظم، فكانت النتيجة أن أضحى مريضا بهذا الداء المزمن، يتلمس أحيانا في عزّ النوبات بضع شهقات من الأوكسجين النقي لمواصلة التنفس والبقاء على قيد الحياة. أسير للسيجارة أحمد، إطار بإحدى المقاولات التي لها اسمها والتي يشغل بها منصبا مهما، يعيش وضعا اعتباريا لابأس به في المجتمع، وله نصيب من الثقافة والعلم الذي بكل أسف لم يشفع له ولم يمنحه جرعة الإرادة اللازمة لهجران السجائر، فهو مدمن عليها بشراهة كبرى، حتى أضحت رؤيته في مجلس من المجالس بدون سيجارة هي من الأمور النادرة إن لم تكن المستحيلة. النصائح التي كان يتلقاها أحمد من طرف أصدقائه كانت توجعه خاصة حين تصدر من طرف أشخاص أقل منه تكوينا وتمدرسا، فكان يحاول جاهدا أحيانا أن يبتعد عن هذه السجائر التي تجلب له «الذل» بين الفينة والأخرى، يقول أحمد، في لحظة من اللحظات أخذت العزم على الابتعاد عن التدخين فانصرفت إلى ممارسة الرياضة، وإلى الإقبال على تناول الفواكه، وبعض الحلويات رغبة مني في تعويض نقص الدخان بها، وبالفعل فقد استطعت ذلك لأيام معدودة لم تتجاوز مدتها الأسبوع الواحد، فوجدت نفسي أصبحت أكثر عرضة للانفعال والغضب السريع ولأتفه الأسباب، وكانت الضحية هي زوجتي التي كنت أتشاجر معها خلال تلك الفترة باستمرار وبدون سبب، وهي المسكينة كانت تتحاشى وقوع أي اصطدام، فوجدت نفسي مجبرا مكرها لامخيّرا على العودة إلى التدخين والمحافظة على الجو السلمي في المنزل وبمحيطي حتى لاأتشاجر وأخسر أيا كان ولو كان ذلك على حساب خسارة صحتي، وهو ما أعيه جيدا، لكن ليس باليد حيلة، فقد سرى سم هذه السجائر في دمي ولا أجد عنها بديلا!