لطالما أثارت إشكالية الخلط بين التربية و التعليم جدلا بين المهتمين والخبراء في المجال... ليروا أنها قد تعيق أي مبادرة لإصلاح المنظومة التعليمية، وتمنع الطفل من الاستفادة من تعليم يفتح له أبواب المستقبل. محمد الشرقاوي مختص وعضو مؤسس للمشروع العالمي التربية والصحة وفي سياق هذا النقاش، يكتب محمد الشرقاوي، مختص وعضو مؤسس للمشروع العالمي التربية والصحة، وهو مشروع دعا فيه إلى انخراط كل فعاليات المجتمع، حكومة ومؤسسات ومواطنين، موضحا الرهانات وأبعاد التحديات المطروحة أمام النهوض بهذه المنظومة. فالتربية، بالنسبة للخبير التربوي، تعني شيئين مختلفين لابد من التمييز بينهما، التربية الوالدية، والتربية التي يقدمها النظام المدرسي. 1. فالتربية الوالدية (أي التي مسؤولية الأم والأب) لها ثلاث وظائف مختلفة، ولكنها مكملة لبعضها البعض: أ- طبع شخصية وأخلاق الطفل التي تترجم بالانجليزية ب (Growing Up) ب- تعليم الطفل قواعد وسلوكيات الحياة داخل المجتمع التي تترجم هي الأخرى ب Education ت- وبالنسبة لمجموعة مختلفة من الآباء، تلقين أبناءهم العلوم و المعارف وهو ما يترجم بالانجليزية ب Learning إذن، فالتربية "الوالدية" تبقى ضرورية، ولا يمكن تعويضها في مجالين: طبع شخصية وأخلاق الطفل، ثم تعليمه قواعد وسلوكيات الحياة داخل المجتمع. 2. والتربية التي يقدمها النظام المدرسي، فلها وظيفة واحدة أساسية وهي تلقين المعارف والعلوم التي تترجم إلى الانجليزية بكلمة Learning. أما التربية على الصحة، يجب أن تكون من بين المعارف التي تلقن للطفل داخل المؤسسة التعليمية، من قواعد الوقاية (التمارين الرياضية، التوازن، الصحة الغذائية..) الوقاية من التبعية (الكحول، التدخين، الإدمان..) الوقاية من السلوكيات الخطيرة (العدوان الاجتماعي، احترام قانون السير..). لكن هذه التربية المدرسية على الصحة، لا يمكن إلا أن تكون محدودة مقارنة بتلك التي ينبغي أن يوفرها الوالدين لأبنائهم. باختصار، فالتربية بمفهومها المتعلق بتكوين شخصية متزنة ومندمجة داخل المجتمع تبقى المحور الذي يجعل الطفل ثم المراهق في ما بعد، يستفيد من تعليم يفتح له أبواب المستقبل، والمحافظة على صحته من خلال الوقاية من 70 في المائة على الأقل من الأمراض المعروفة. وتعود هذه الرسالة الأولوية، أكثر من أي وقت مضى، للوالدين وليس للمدرسين. يرى محمد الشرقاوي أن منذ تعاقب الوزارات المعنية إلى يومنا هذا، لم تطرح أي منها السؤال عن هذا الخلط ما بين التربية والتعليم الذي كلف الدولة الملايير دون أية نتيجة على ما يخص النمو النفساني والفكري و الجسدي لأطفالنا، أو اندماجهم الاجتماعي، أو تعلمهم للمواقف الصحيحة التي يجب إتباعها اتجاه الآخرين، أو الهدر المدرسي، أو نجاحهم الاجتماعي والاقتصادي، أو على صحتهم، أو الوقاية من التصرفات التي تشكل خطرا على الفرد والمجتمع. ويعتبر الخبير التربوي أن النهوض بالمنظومة التربوية والتعليمية بطريقة سليمة، يقتضي مساعدة رجال ونساء اليوم للقيام بواجبهم التربوي على أحسن وجه، وأن يشكل ذلك أولوية في سياسة الوزارة المعنية، "فمنظومتنا التربوية و التعليمية تدهورت وسوف تتدهور أكثر، إذا لم يتم تكوين الآباء والمدرسين في قضايا التربية والتعليم، وتحسيسهم تجاه المفاهيم الخاطئة عن التربية، وتلقين المبادئ الأساسية لتربية ناجحة. ويتساءل الخبير، بماذا سينفع تزويد المدارس بأحدث التكنولوجيات إذا كان الأطفال يفتقرون للثقة في النفس، وغير منضبطين ويعاملون بطريقة سيئة من طرف أصدقائهم، أو مدرسيهم أو من طرف أولياء أمورهم. بماذا سينفع تغيير المناهج الدراسية إذا لم يتم تجريبها داخل وسط مؤسساتي يتوفر على أطفال تربوا على تربية حسنة، ومدرسين متمكنين من تلقين المعارف والعلوم، ولهم دراية على التربية؟ بماذا سينفع استثمار الملايير، مرة أخرى، في الوقت الذي نجد فيه كل المتدخلين في نظام التربية والتعليم يتأثرون بالكم الهائل من المعلومات اليومية، والتي تغير سلبا تصرفاتهم ومواقفهم؟ إن الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة أمر لابد منه، لجعل نظامنا التعليمي يواكب تطورات العصر. ولكن لا يجب أن يصبح أولوية. الأولوية رقم 1 يجب أن تعطى على حد سواء لتحسيس وتكوين الآباء وآباء المستقبل و المدرسين على التربية. من خلال هذا المقال يدعو الباحث التربوي المعنيين من وزير التربية الوطنية، ورئيس المجلس الأعلى للتعليم، لجعل هذا المفهوم الجديد للتربية المحور الأساس لوضع نظامنا التعليمي والتربوي على السكة الصحيحة للإصلاح. "لهذا اقترحنا، في إطار المشروع العالمي التربية والصحة المنظم تحت شعار "جميعا من أجل التربية"، منذ 2008 على الحكومة المغربية دعم هذا المشروع، حتى نتمكن من بلورة استراتيجية صالحة للنهوض بمنظومتنا التعليمية بأقل تكلفة ممكنة"، يقول محمدالشرقاوي. للتذكير، فإن المشروع يتضمن الدليل العالمي التربية والصحة بطريقة سهلة، عملية وفعالة، ويتطرق لمختلف المواضيع، التي تهيئ لمنظومة تربوية صحيحة لا خلط فيها للمفاهيم.