سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تقارير المجلس الأعلى للحسابات تفضح واقع التدبير المفوض بالمملكة المسكاوي: نحن أمام تجارب فاشلة وشركات تنهب أموال المغاربة وصانعي قرار لا يهمهم سوى إرضاء الأجنبي
يتجه المجلس الأعلى للحسابات، خلال الأيام القادمة، لفضح وتعرية واقع التدبير المفوض بالمغرب مجددا، بعد أن أعلن إدريس جطو، الرئيس الأول للمجلس، يوم الخميس الماضي بلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، عن قرب الكشف عن نتائج افتحاص قضاته لسياسة التدبير المفوض التي تم اعتمادها بشكلها الحالي في سنة 1997 في قطاعات الماء والكهرباء والنظافة والنقل بمدن مغربية عدة. وفيما يبدو أن التقرير القادم لمجلس الحسابات سيفجر فضائح جديدة تطيح بعدد من الشركات، بعد أن اعتبر جطو أن سياسة التدبير المفوض في مجال التطهير الصحي والنظافة كان « مجالا لهدر المال العام»، شكل تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2009، مناسبة أولى لفضح وتعرية واقع التدبير المفوض بالمملكة، بعد أن كشفت خلاصات المجالس الجهوية عن «خروقات بالجملة»، همت عددا من عقود التدبير، واختلالات كبرى تخص أساسا طرق تدبير العلاقة بين الشركات المفوض إليها، وفي معظمها شركات أجنبية، وبين السلطات المحلية، وكذا إشكالية الالتزام ببنود الاتفاقيات، خاصة في شقها المالي والاستثماري. دون إغفال جانب «التهافت» على الربح من قبل شركات التدبير المفوض، وهو ما انعكس سلبا على جودة الخدمات وعلى تكلفتها. وبلغة الأرقام، كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات عن اختلالات عدة في تدبير شركة «ليدك» للماء والكهرباء في مدينة الدارالبيضاء، حيث كان لافتا عدم تجاوز حجم الاستثمارات المنجزة في مجال البنية التحتية 100 مليون درهم من أصل 350 مليون درهم المبرمجة، وهو ما أدى إلى عدم إنجاز ثلاثين مشروعا، دون إغفال تسجيل التقرير غياب التتبع المادي للمشاريع المنجزة جزئيا وكليا، وغياب وثائق دراسات الجدوى والصفقات ومحاضر التسلم. وكشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي هم أساسا شركات «أمانديس» و«ريضال» و«ليدك»، وكذا تدبير قطاعات النظافة بالقنيطرة ومطرح النفايات «أم عزة» والنقل الحضري بمكناس وتدبير المحطة الطرقية بأكادير، أن أداء شركة «ليدك» بالبيضاء لم يكن مطابقا لمقتضيات عقد التفويض، وعن تزويد أحياء بماء مشبع بالصدأ، وضبط مداخيل مخصصة للصندوق لم يتم تسجيلها من لدن ليدك. أما شركة «أمانديس» بطنجة، فأكد التقرير أنها لم تحترم البنود التعاقدية المتعلقة بأداء تكاليف الربط، ولم تشرع في تنفيذ ما يناهز 264 مشروعا استثماريا تمت برمجته خلال الفترة 2002 – 2008 بقيمة 832 مليون درهم، كما تم توظيف أجانب بطرق غير قانونية بتكاليف مالية بلغت بين 2002 و2007 حوالي 132. وفي الوقت الذي قام فيه المجلس الأعلى للحسابات خلال سنة 2009، في مجال مراقبة التدبير واستعمال الأموال العمومية للحسابات، ب 17 مهمة في إطار مراقبة التدبير في الشركات التي تتولى التدبير المفوض بعدد من القطاعات الحيوية وبعدد من المدن، يعتبر محمد المسكاوي، رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، أننا «أمام تجارب فاشلة وشركات أجنبية تنهب أموال المغاربة أو بعض الشركات الوطنية التي لا يهمها سوى الربح على حساب جودة الخدمات.. وأمام صانعي قرار لا يهمهم سوى إرضاء الأجنبي، بل نحن أمام تبعية اقتصادية للغرب، في مقابل تهديد الاستقرار الاجتماعي وإثقال جيوب المواطنين». ويرى رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، في تصريحات ل«المساء»، أن رفع الدولة يدها عن تدبير بعض الخدمات الاجتماعية بما فيها القطاعات الإستراتيجية والحيوية للمواطنين كالماء والكهرباء، وتحويلها إلى مجال التسليع والتبضيع، أدى إلى ارتفاع أسعار الخدمات العمومية والمواد الضرورية، وتغليب منطق الربح السريع على المصلحة العامة وعلى ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكافة المواطنين، وهو ما يهدد السلم الاجتماعي في ظل هزالة الأجور. وحسب المسكاوي، فإن ما كشف عنه تقرير المجلس الأعلى للحسابات الصادر سنة 2011 من اختلالات، وملاحظات الشبكة المغربية لحماية المال العام بشأن التدبير المفوض وعدم انجاز الاستثمارات التي تنص عليها بنود العقود مع ما يعني ذلك من سوء الخدمات، تؤكد أنه «آن الأوان اليوم من أجل اعتماد منظور جديد يعيد القطاعات الحيوية إلى الدولة في تدبيرها ولو عن طريق إنشاء وكالات خاصة وإعطاء الأسبقية للمقاولات المغربية من أجل تحريك عجلة الاقتصاد». ويبدي المتحدث ذاته استغرابه من عدم ترتيب، بناء على تقرير مجلس الحسابات، أي جزاءات قانونية ضد تلك الشركات، وتحويلها إلى القضاء وتغريمها الخسائر التي تحملتها الدولة والجماعات المحلية، لافتا إلى ما تقوم به بعض الشركات من تملص أو تهرب ضريبي، وتصريحها الدائم بالعجز، وقال: «هذه الشركات تستفيد من المال العام واليد العاملة المغربية وحتى من مقرات بنيت من المال العام والنتيجة الظاهرة اليوم سوء الخدمات المقدمة، عدم احترام حقوق العاملين». رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام يعتبر أن التدبير المفوض في بعض القطاعات «سبة» في حق الأطر الوطنية، وإضعافا للتراكم والتجربة، وقد يسهم في ترحيل العملة عندما تكون الشركة المستفيدة أجنبية، فما سيهم القائمين عليها هو ترحيل أرباحهم إلى بلدانهم الأصلية، ويقول: «حسب الإحصائيات، فإن أغلب الشركات المستفيدة هي أجنبية، ما يعني أن مساهمة الشركات المغربية التي بإمكانها تحريك الاقتصاد الوطني وخلق مناصب الشغل وإحياء الطبقة المتوسطة، تبقى ضعيفة إن لم نقل إن سياسة الأجنبي تقتل المقاولة المغربية». الأكيد أنه بعد ما يربو عن ربع قرن من اعتماد سياسة التدبير المفوض من قبل العديد من الجماعات المحلية للمدن الكبرى، بات واضحا أن تلك السياسة قد فشلت إلى حد جعل الدولة تفكر في استرجاع تسيير المجالات التي عرفت الخلل، أو توجه الجماعات نحو خلق شركات للتنمية المحلية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح اليوم هو: هل ستنجح تجربة شركات التنمية المحلية التي أحدثتها بعض الجماعات لتدبير قطاعات بعينها في تجاوز أوجه القصور والاختلالات التي كشف عنها تقرير المجلس الأعلى للحسابات؟