سيسجل التاريخ أن رجلا في المغرب لا يملك شركة، وحتى وقت قصير كان مدخوله محصورا في راتب تقاعده الوزاري، أصبح رئيسا للباطرونا جميعا. لقد عاد مزوار ودخل من باب المال الأعمال، بعدما خرج من نافذة السياسة والحزب. ليس مهما ما فعله مزوار لكي يصبح ما هو عليه الآن. القصة معروفة والتكرار هنا لا ينطوي على أي إفادة. لكن، ينبغي، في نظري، تحديد ما إن كان شخص مثل مزوار –وبالطريقة التي ظفر بها بمنصبه- سيشكل مكسبا لرجال الأعمال، أم إن الباطرونا، على العكس من ذلك، سيخسرون أكثر معه. في الواقع، ربح الباطرونا كثيرا في الماضي مع مزوار عندما كان وزيرا للتجارة ثم وزيرا للمالية، فقد كان راعيا لمصالح المقاولات عدة سنوات، ومبشرا ومنفذا لحملة تخفيضات متتالية على ضرائبها. رجال الأعمال يعرفون مزوار، وهو يعرفهم. صداقات طويلة تطورت إلى حب شديد، ثم زواج على الشكل الذي رأيناه قبل يومين. غير أن عقد قران مزوار على الباطرونا لم يكن عاديا، فهو ضمنيا ينطوي على ما يشبه اتفاق ما قبل الزواج. ذلك الاتفاق الذي عادة ما يعقده الأزواج الأغنياء الخائفون على أموالهم من عاشقي الثروة الذين يبحثون عن المال أكثر من الحب. بصيغة أخرى: هل يبدو أن هناك حبا حقيقيا بين الطرفين؟ لننس تلك الحقب حيث كانت مريم بنصالح ترى في كره السياسيين أولوية استراتيجية، أو حسن الشامي الذي سعى إلى أن تكون للباطرونا سلطة مستقلة عن ذوي النفوذ السياسي، أو محمد حوراني الذي أراد أن يخطط لعلاقاته السياسية كما يشاء هو لا كما يريدها أحد آخر. كانت تلك حقب تاريخية يمتزج فيها الحب بالكره بالمصلحة، لكن الباطرونا كانوا يحكمون أنفسهم بأنفسهم ظاهريا، ثم تقرر أنه حتى هذه الوظيفة الشكلية يجب أن تُنتزع منهم. خسر الباطرونا أشياء كثيرة أيضا. أظهرت الطريقة التي ترشح بها مزوار، ثم الشكل الذي خاض به حملته، والنتيجة الكاسحة التي حققها، أن الرأسمال المغربي ينظم شؤونه بطريقة مشابهة لمرشحي بعض الأحزاب السياسية في الانتخابات، حيث يستطيع الأعيان حسم المعارك بسرعة بواسطة السيطرة على أصوات الناس العاديين الذين لا حول ولا قوة لهم. حدث هذا في انتخابات الباطرونا، حيث شنّت شركات كبيرة حملة ضغط كبيرة على مقاولات صغيرة تملك بالكاد صوتها الوحيد، وحصلت على مئات من توكيلات التصويت، مستعملة في ذلك رُهاب صفقات التوريد والمناولة، التي تعيش عليها آلاف المقاولات المتوسطة والصغيرة التي تتحول إلى رهائن عندما يحين موعد التصويت. مزوار نفسه لا يعكس كنهه الحقيقي، فهو مجرد تمثل لشخص آخر، وقد فهم الكثير من رجال الأعمال أن مزوار ليس سوى صورة هولوغرامية موضبة عن التكتل الذي قاد عملية التغيير هذه في تاريخ نقابة أرباب العمل. ويتصور جزء من رجال الأعمال أنه من الأفضل عدم الاعتراض على ذلك، وإذا كان شخص ما يمثل شخصا آخر قادرا بشكل عجائبي على تنفيذ مخططاته، فإنه من الأفضل دعمه. نسمي هذا بجبن رجال الأعمال، أولئك الباحثون عن أي فرصة لتحسين بياناتهم الضرائبية، أو حتى لإضافة بضع صفقات هناك أو هناك إلى رصيد شركاتهم. تلك هي حدود تفكير الباطرونا الجشعين، وأيضا المرتعبين من أي شيء خارج المألوف. خسر الباطرونا هويتهم بانتخاب شخص خارج نطاقهم، ومُسيس فوق ذلك. لقد تركوا رجال الأعمال ينخدعون بشخص بدل برنامج. لم يناقش أحد برنامج مزوار، لأن الباطرونا لم يكونوا مهتمين بذلك. كان الشخص أهم. ولا يمثل مزوار حالة شاردة، فمن عادة رجال الأعمال ألا يناقشوا برنامج أي مرشح لقيادة نقابتهم. لكن الرأسمال، هذه المرة، باع روحه للسياسي بشكل رسمي. ذلك السياسي الذي يتحول إلى شكل مغر للفرصة المواتية في مجال الأعمال. هذا الخلط بين المال والسلطة، كما تمثله حالة مزوار، لم يكن حبا خالصا، بل زواج مصلحة قد ينتهي بطريقة سيئة يوما ما.