«يكون حكم الدولة أفضل إن كان عندها القليل من القوانين جيدة ومرعية بصرامة» عندما يتأزم السياسي ويعجز عن تحقيق وعوده، فغالبا ما يلجأ إلى تحويل الشعارات إلى مكاسب سياسية، هكذا وجدنا قوة داخل الأغلبية الحكومية، رفعت شعار ضرورة تجريم ما يُسمى بالإثراء غير المشروع، بدعوى محاربتها للفساد. ورغم ما كتبته الصحافة عن باطل في هذا الموضوع، الذي لايزال في بداياته التشريعية الأولى، فقد حوله البعض إلى مجال للصراع السياسي، وموضوع للإصلاح، بل وصلت بالبعض الآخر إلى جعله موضوعا للتهديد بالانسحاب من الحكومة. الحقيقة أن كل هذه التصريحات والحركات تثير الإشفاق، لكون تشريع الشعارات بشكل سطحي وتحويلها إلى نص جنائي دون ضمانات كافية أثناء تطبيقه، يعد أكبر جريمة في حق المواطنين، لأن التشريع في نهاية المطاف يخرج من يد صاحبه إلى يد ذلك الموظف والقاضي والمسؤول الذي سيطبقه، وبالتالي، قد يوظفه بحسن نية، وقد يستعمله بسوء نية. فالتشريع الذي يعتمد على أحكام القيمة، وعلى المواقف المسبقة، كثيرا ما يتم استعماله وتوظيفه، لذلك نحن لا نختلف مع الأغلبية الحكومية في ضرورة محاربة الإثراء غير المشروع، ولكن نختلف في الطريقة التي تعاملت بها الأغلبية مع هذا الموضوع. فعلاوة على أننا نعيش في بلد رأسمالي ليبرالي، يجعل من تجريم الإثراء غير المشروع مسألة ضرورية، إلا أننا نرفض التجريم بالمطلق كما ورد في نص المشروع، لأنه سيكون من الصعب ضمان حسن تطبيقه، لذلك اقترحنا أن نتعامل مع هذا الموضوع بنوع من المسؤولية حماية لحقوق المواطنين، فليس المهم أن يفلت شخص ما من العدالة، ولكن الأهم ألا يُظلم أحد. إن المحاربة السليمة لفعل الإثراء غير المشروع، تفرض علينا تجريمه بشكل مضبوط نصا ومؤسساتيا، فالحكومة حينما أحالت هذا النص على البرلمان، ربطته بالأشخاص المعنيين بتقديم التصريحات بالممتلكات أمام المجلس الأعلى للحسابات، وهؤلاء هم المنتخبون والوزراء وكبار الموظفين، ومن ثم إذا كان المجلس الأعلى للحسابات هو الجهة المخول لها قانونا التوصل بالتصريحات الأولية بالممتلكات، وكذلك التصريحات النهائية، بناء على المواد 85 مكررة و85 مكررة مرتين من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، فإننا نقترح أن تبقى لهذا المجلس على سبيل الحصر سلطة الإحالة على القضاء، من خلال إجراءات التحقيق التي تعود إليه، لكون الإثراء غير المشروع موضوعنا اليوم، هو نص يهم الإثراء بواسطة الوظيفة أو المنصب والمهام السياسية، وهو مجال محدد يعود فيه الاختصاص أصلا إلى المجلس الأعلى للحسابات، ومن تم سنضمن أن الإحالة ستعتمد على عناصر كافية، كما يبقى لسلطة النيابة العامة باستقلاليتها الحق في اتخاذ القرارات الملائمة والمتابعة، لأن الأهم هو ألا تتحول هذه الإرادة الجيدة في محاربة الإثراء غير المشروع إلى وسيلة لتصفية الحسابات. إن رفع شعارات الإصلاح والطهارة لا يمنعنا أبدا من القيام بوظيفتنا التشريعية كاملة، لكون حريات الناس وحقوقهم والضمانات الدستورية لا يجب أن تكون في مهب عبت الحماس التشريعي، لذلك نحن لسنا ضد المشروع، ولكن ضد طريقة التوظيف السياسي البئيس له، فهناك من يريد أن يحوله إلى مكسب أخلاقي لحزب معين، وكأن المقصود هم الآخرون ومنهم أولئك الذين كانوا موضوع المقاطعة وينتمون إلى تحالف الأغلبية نفسه. إن التشريع مهمة معقدة، والمسلك إلى جهنم محفوف بالنوايا الحسنة، لذلك على الفاشلين في تنزيل شعارات الإصلاح الانتخابية، أن يكفوا عن إعطاء الدروس في الأخلاق والنزاهة لأي كان، فجميع المجتمعات تعج بالأبرياء وبالجناة، كما أن أحزاب الملائكة قد تصبح مليئة بالسيئين، علما أن كل ما عشناه في السنوات الأخيرة أكد لنا ألا أحد في هذا الوطن وحده يملك العذرية الأخلاقية.