في الجزء الأول من هذا المقال، تمت الإشارة إلى عدد من المؤشرات الدالة على أن استقرار المغرب مستهدف، في سياق عمليات تحول سياسي لم يهدأ بعد، تعيش على إيقاعه المنطقة العربية، في إطار إعادة ترتيب دولي، وإعادة توزيع نفوذ القوى الفاعلة والمؤثرة، في الاقتصاد العالمي. هذا الاستهداف، يلعب على وتر ابتزاز المؤسسات السيادية للدولة، والضغط عليها بمحاولات إشعال الشارع، وتأليبه عليها، باستغلال أحداث منها المصنوع ومنها المضخم. غير أن اختلال التوازن بين السلطة والشارع، يمكن أن يبلغ مستويات حرجة، ليس بمحاولات التدخل الخارجي، وإنما بتراكم مشاكل الداخل، كذلك، سواء أكانت سياسية أو اجتماعية، وبعدم الجدية في معالجتها، وتركها لتفاعل الديناميات، أو بالرهان على نظريات توجيه الرأي العام والتحكم فيه. إن الكثير مما قُدم للمغاربة خلال هذه المرحلة، على أنه إصلاحات، أملتها إكراهات وضرورات، خاصة على المستوى الاقتصادي، لم ينل القدر الكافي من الرضا والمشروعية، وأثر بشكل سلبي على مستوى الثقة في المؤسسات، وخلف خدوشا عميقة في مصداقيتها، وجعل المواطنين يشككون في أهداف وغايات كل قرار تقدم عليه الحكومة أو غيرها، وهو ما يُترجم إلى لا مبالاة إزاء المبادرات الرسمية، يمكن أن تتنامى لتصل إلى حد العزوف عن الحياة السياسية برمتها. هذا القدر غير الكافي من الرضا والمشروعية، لا يمكن تلمسه فقط، في عدد المظاهرات الاحتجاجية، التي عادت إلى مستويات ما قبل سنة 2012، وإنما يظهر أيضا في انصراف المواطنين إلى حال سبيلهم، ومواجهة مشاكلهم بطرقهم الخاصة، وهو ما قد يسهم في تراكم الإحباط والضغط الذي ليس بعده إلا الانفجار لا قدّر الله! إن العودة السريعة إلى جادة الصواب، في التعامل مع المواطنين، وحدها الكفيلة باسترجاع الثقة، الضرورية في الإبقاء على التوازن الضامن للاستقرار، وجادة الصواب يمكن العودة إليها من خلال مستويين، مستوى تتحمل فيه نخب المجتمع وقياداته مسؤولياتها الوطنية، ومستوى تتحمل فيه المؤسسات المتخذة للقرارات مسؤوليتها الوطنية هي الأخرى. فأما نخب المجتمع وقياداتها، فدورها كبير في تعزيز الوحدة الوطنية، لإسناد الملكية في ما تقوم به في إطار الدفاع عن سيادة الدولة وجهود تموقع المغرب دوليا، ودورها كبير، أيضا، في تأطير الجماهير على معادلة تبدو صعبة لكنها ممكنة، وهي المطالبة بالحقوق والكرامة بكل قوة وشراسة، لكن في الوقت نفسه دون الوصول، أو الانخراط، في مسارات مفضية للمجهول ومربكة للجميع، يدفع فيها الوطن الثمن. وأما المؤسسات المتخذة للقرارات، فمساهمتها في حفظ الاستقرار، تمر عبر ضخ مزيد من الوضوح في التعامل مع المواطنين، والتراجع عن كل ما يُفهم منه اعتمادها على نظريات تغيير السلوك، ونظريات الإقناع القسري، والعلاج بالصدمات، أو الرهان على عامل الزمن وعوامل أخرى، باستعمال أساليب التضليل والقصف المكثف للذاكرة، مع إشراك الأحزاب والنقابات والتنظيمات الجادة، في إيجاد حلول واقعية للإشكالات الاجتماعية، وبحث صيغ آمنة للإبقاء على الخدمات الاجتماعية التي يتجه القطاع العام إلى الانسحاب منها، في مستوى مقبول، مع مواجهة أطماع بعض الأطراف الخارجية في الاستيلاء على بعض المقاولات العمومية الاستراتيجية. في ختام هذا المقال، لابد من الإشارة إلى أن المغرب عاش فترة صعبة اختُبر فيها استقراره، وهي فترة البلوكاج الحكومي، ما بين أكتوبر 2016 ومارس 2017، التي لولا حكمة الملك، وتحمل حزب العدالة والتنمية لمسؤوليته الوطنية، باختياره التفاعل الايجابي مع “إعفاء” الأستاذ عبدالإله بنكيران، لكان الوضع ربما على غير ما هو عليه اليوم، على الرغم من أن هذا الحزب قد يكون هو الآخر ارتكب أخطاء في قراءة خلفيات “الإعفاء” وما بعده، لكنها حتما ليست بحجم أخطاء من وقفوا خلف البلوكاج ودبروه، ولذلك على هؤلاء أن يقدموا أجوبة صريحة على ماذا كانوا يريدون بالضبط ولصالح من كانوا يشتغلون، لأن سؤال البلوكاج لم ولن يتقادم!.