محمد الغلوسي- رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن المال العام كيف تابعت ما بعد عرض معطيات “مجلس جطو” على الرأي العام؟ التقرير رسمي يوثق بشكل واضح الاختلال المالي الجسيم في المؤسسات المشار إليها، والسؤال المطروح في الحقيقة هو هل يكفي توثيق الاختلال؟ فالمغاربة على علم بكم الخروقات الكبيرة التي تعرفها الإدارات والمشاريع قبل توثيقها وكشفها بشكل رسمي، ويعرفون جيدا أن هناك فسادا وتبذيرا للمال العام. وبعد تطابق الفكرة الراسخة شعبيا ومجتمعيا مع ما قدمته تحقيقات المجلس الأعلى للحسابات، يجب الإجابة عن سؤال آخر، ماذا بعد توثيق وكشف كل هذه الأمور؟ أم أن التوثيق والكشف هو الغاية في حد ذاته؟ فبدل أن يصير الوضع اليوم مفصليا في تاريخ المجتمع، يبدو أن الكشف عن الفساد صار لحظة احتفالية، وفي نظري كشف كل هذه الأمور يجب أن يُحدث زلزالا حقيقيا، كما هو الحال في الدول الديمقراطية، التي عندما تُعرى فيها مثل هذه المعطيات، تسبب زلزالا في الأوساط السياسية والحزبية والإدارية والوزارية، وهكذا دواليك. وللأسف، نحن في المغرب، لا يبدو أن الأمر كما يجب أن يكون، أرى اليوم وكأننا أمام فرجة رياضة، لا شيء حقا تم تحريكه حتى الآن! ولا أحد حتى الآن يتوجس من نتائج ما صدر، بل أكثر من كل هذا خرجت الإدارة العامة للسجون ببلاغ يهاجم المجلس الأعلى للحسابات، وهو أمر غريب ولا يمكن توقعه في بلدان أخرى، وهو ما يبين أن مقاومة الإصلاح مقاومة كبيرة جدا، ولو كان الإصلاح هشا وضعيفا، لذلك أرى أنه من غير اللائق أن تخرج مؤسسة عمومية ببلاغ ضد أخرى تشتغل بجدية ووفق مساطر محددة. كيف يمكن استثمار ما كشفته التقارير؟ السياق المغربي بمظاهر الاحتجاج، والغضب من التعامل مع الكوارث الطبيعية، ومعطيات الانكماش الاقتصادي، والصعوبات المالية التي يعيشها المغرب، من المفروض فيه أن تكون نتائج المجلس الأعلى للحسابات سببا لخلق ضجة، وسببا كافيا لإعادة الاعتبار للعمل السياسي النزيه، وللمؤسسات التي اهتزت صورتها أمام الرأي العام. اليوم، الانطباع العام لدى المواطنين يشير إلى أن المؤسسات العمومية، ليست إلا مؤسسات لقضاء مصالح شخصية لأفراد بدل المصلحة العامة، ومكانا يعيث فسادا، وللرشوة ولاغتناء المسؤولين. من اللازم تدارك الأمور لأن هناك أيضا انطباعا سلبيا حول المؤسسة القضائية التي لا تحاسب هؤلاء المفسدين، وناهبي المال العام ومن اللازم اليوم استثمار المعطيات الصادرة والمكشوفة، لوقف هذا المشهد الذي يحكم هذه المؤسسات. ألا ترى بأنه من غير الكافي كشف الفساد؟ أن لا يعتبر وسيلة، بل غاية في نظر البعض كما لمحت قبل قليل. في الحقيقة من المؤسف أن يستغرق المجلس الأعلى للحسابات وقتا طويلا وأموالا كثيرة، ليقول للشعب إن هناك لصوصا ومفسدين في المؤسسات التي خلقت من أجلهم، هل المغاربة في حاجة إلى من يخبرهم بأن هناك فسادا؟ هذا أمر معروف والكل يعرف مدى استشراء الفساد في البلاد، ما يحتاجه المغاربة اليوم ليس تبيين حجم الفساد، بل إلى من يعيد الاعتبار للوطن، وفتح أفق جديد مفتوح على الأمل والحرية والكرامة، المغاربة يحتاجون إلى الإنصاف، ولمن يبين لهم بأن لا أحد فوق القانون، أن يكون القانون مطبقا بتجرد على الجميع، وليس على المجرمين من الطبقات الهامشية والفقيرة أو المتوسطة، وأن يفلت من العقاب هؤلاء المنتخبين والمسؤولين الكبار الذين يقفون خلف الجرائم الكبرى والأخطر على الاقتصاد، وعلى المجتمع أيضا.