كشف المجلس الوطني لحقوق الإنسان يوم 4 غشت، عن مذكرته التي قدمها للجنة الملكية المكلفة بإعداد النموذج التنموي، والتي دعا فيها إلى اعتماد مقاربة تنموية "دامجة لحقوق الإنسان". ومن أبرز الملاحظات التي سجلها المجلس في مذكرته، وجود مفارقة بين القانون وواقع الحقوق في المغرب، وشدد على وجود "معوقات فعلية لحقوق الإنسان في المغرب" تتمثل في "صعوبات ترجمة الترسانة القانونية إلى ضمانات فعلية لحماية الحقوق والحريات"، والتفاوتات في الولوج للحقوق كمصدر للتوترات الاجتماعية"، و"ضعف البعد الحقوقي للسياسات التنموية"، و"انحسار قيم الديمقراطية والمواطنة والسلوك المدني"، فضلا عن هاجس الاستدامة. فما هي مظاهر هذه المفارقة بين النصوص والواقع؟ وما أسبابها وأبعادها؟ انطلق المجلس في المذكرة التي تتضمن تصوره للنموذج التنموي كما ينبغي أن يكون، من سياقين: سياق خاص يتعلق باستراتيجية عمله المرتكزة على "فعلية الحقوق والحريات" المصادق عليها في شتنبر 2019، وسياق عام مرتبط بالنقاش حول النموذج التنموي الجديد الذي تقوده اللجنة الملكية التي يترأسها شكيب بنموسى. وقد اعتمد المجلس في إعداد تصوره مقاربة "صاعدة من الأسفل"، حيث جرى تنظيم 12 لقاء جهويا، تناولت التحديات التي تقف أمام فعلية الحقوق، كما استعان المجلس بخبراء وباحثين جامعيين لتدقيق بعض القضايا التي لم تتناولها اللقاءات الجهوية، علاوة على انفتاح المجلس على أهم الممارسات الفضلى التي تبلورت في سياقات دولية مختلفة ممن نجح في بناء استراتيجيات تنموية قائمة على حقوق الإنسان. ويُنبّه المجلس إلى أنه لا ينبغي اختزال فعلية الحقوق في البعد القانوني فقط، أي أولوية تفعيل القوانين، بل وجب إيلاء "أهمية قصوى للعوامل غير القانونية"، سواء العوامل الاقتصادية والاجتماعية، أو العوامل الثقافية والقيمية والاستدامة. وعلى ذلك الأساس، يمكن اعتبار الفعلية مدخلا للحق في التنمية، من خلال جعله في قلب الخيارات الاستراتيجية للمغرب في المرحلة المقبلة. تنطلق مذكرة المجلس من ملاحظة جوهرية تتمثل في الهوة القائمة بين القانون والواقع، ناتجة عن تحديات قوية تحول دون تفعيل القوانين في واقع الناس، بالشكل الذي يجعل من تلك القوانين ضمانات قوية لحماية فعلية للحقوق والحريات في الواقع المعيش للناس. وحسب محمد بوز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، فإن المفارقة التي سجلها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تعد "من البديهيات"، ليس فقط في مجال حقوق الإنسان، بل "أيضا في مجالات أخرى"، يؤكد بوز أنها تعرف مفارقات بين النص والواقع. وعن سبب هذه المفارقة، يقول بوز، إن المشكل يكمن في "الإرادة السياسية"، وفي استمرار "مقاومة تنفيذ القوانين"، فضلا عن "بعد ثقافي" يتعلق بتمثل القانون، والمناخ العام للبلاد، حيث "نعيش ارتدادات في سياق يعاني من خصاص في الديمقراطية". من جهته، يؤكد عبدالصمد الإدريسي، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، بدوره أن التوفر على نصوص قانونية ضامنة للحقوق والحريات هي "مسألة مهمة وخطوة أساسية"، لكنها غير كافية، ولا يمكن أن تعتبر وحدها مؤشرا لقياس مدى احترام هذه الحقوق والحريات.. ذلك أن مسألة احترام حقوق الإنسان "مرتبطة بالممارسة اليومية" لمختلف المتدخلين في هذا المجال، وكل ما يمكن أن يسجل من خروقات "يسيء للملف برمته، بغض النظر عن القوانين التي تكون جيدة وضامنة للحقوق"، كما أن الممارسة اليومية في كثير من الأحيان تكون غير منضبطة للقانون، وهو ما يشكل خرقا لهذا القانون، وبالتالي، انتهاكا حقوقيا... ويرى الإدريسي أن إقرار القوانين رغم أهميته غير كاف، بل لا بد من إقرار "ممارسات" منضبطة له تحترم الحقوق والحريات الأساسية... وأن هذا هو "جوهر الإشكالية في المغرب" قائلا: "نعم، نحتاج إلى ملاءمة العديد من القوانين مع المواثيق الدولية ومع الدستور، لكننا نحتاج، قبل ذلك ومعه، إلى احترام الترسانة الدستورية والقانونية الموجودة، والتي هي في كثير من مقتضياتها جيدة"، مشددا على أنه لا يمكن الحديث عن نموذج تنموي دون مدخل حقوقي.