وإذا ما استعرضت قائمة الواردات ترى أننا نستورد تقريبا كل شيء، من القمح إلى الزيت إلى السكر إلى السيارات إلى الدراجات إلى الألبسة والأحذية والنظارات والساعات والتلفزات والهواتف والحواسيب، ومواد البناء، وأثاث المنازل، وورق الجرائد، وإبر الخياطة، وعلب البسكويت، وكل أنواع المشروبات العازية… ولا أتحدث عن الطائرات والقطارات والآلات الكبرى والتكنولوجيا المعقدة فاستيرادها من باب تحصيل الحاصل… ماذا يعني هذا؟ هذا معناه أننا نعيش، ببساطة، «عالة» على غيرنا، وبمصطلحات الاقتصاد السياسي: نحن بلاد متخلفة موضوعة على لائحة «الدول النامية» التي يستحيل أن تعرف تنمية اقتصادية حقيقية لأن اقتصادها ضعيف، ومساهمته في الإنتاج العالمي أقرب من الصفر. إن اقتصادا يعيش على بيع الفوسفاط ومداخيل السياحة، وشيء من «الخدمات»، والصناعات الخفيفة والجلد والنسيج وتصدير السمك واليد العاملة… اقتصاد تتحكم فيه ثلاثة مؤشرات كلها خارجية ولا سلطة له عليها، وهي: التساقطات المطرية، وهي في يد الله، وأسعار المحروقات، وهي في يد الدول الكبرى والشركات العملاقة، وعدد السياح، وهذا أمر مرتبط بالظرفية الدولية والأزمات والعالمية… وإذا أضفنا إلى هذه المتغيرات الكبرى أخرى أصغر، وهي أسعار الفوسفاط في السوق العالمية، وتحويلات المهاجرين المغاربة في الخارج، وحالة الاقتصاد لدى شركائنا في أوربا، وكلها متغيرات لا نتحكم فيها، يتضح إلى أي حد وزارة الاقتصاد عندنا تركب عربة لا تقودها… مناسبة هذا الحديث هي إعلان الحكومة برنامجا لتسريع التنمية الصناعية 2014-2020، قدمه أمام الملك وزير الصناعة والتجارة والاستثمار، مولاي حفيظ العلمي. المشروع طموح، وهو يتطلع إلى وضع رجل المغرب في الصناعة، وتحويل مساهمة هذه الأخيرة في الناتج الداخلي الخام من 14 % حاليا إلى 23% في 2020… ومقابل هذا تتعهد الدولة بصرف 20 مليار درهم في الست سنوات القادمة، وتوفير العقار، وتسهيل الاستثمار في الصناعة، خاصة الموجهة إلى التصدير. وتقترح هذه الاستراتيجية عددا من التدابير للوصول إلى هذا الهدف الكبير، وأنا أتمنى أن تنجح، لكن في الوقت نفسه لدي مخاوف كبيرة لأن مشاكل الصناعة متعددة، وهي لا توجد لدى وزارة الصناعة والتجارة، بل توجد، أولا، في عقلية الرأسمال المغربي الذي يفضل الاستثمار المباشر والسريع والخاطف في العقار والخدمات والاستيراد، ولا يحب أن يدخل في مخاطر التصنيع لأن المنافسة فيه قوية (أغلب المليارديرات الكبار في المغرب يستثمرون في العقار أو الأبناك أو الخدمات والتوزيع…). المشكل الثاني موجود في إدارة الجمارك التي تفتح الأبواب على مصاريعها لكل البضائع القادمة من أوربا وأمريكا والصين وتركيا والعالم العربي بدون ضوابط ولا رقابة ولا خوف من الله ولا من القانون. هناك بضائع فاسدة ورخيصة في السوق المغربي لا يُسأل أحد كيف دخلت ولا لماذا سمح بها. ثالث مشاكل الصناعة موجود في عقلية الأبناك التي تتبع سياسة احترازية بدون هامش للمخاطرة، وتمنع القروض عن المقاولات الصغرى والمتوسطة، ولا تتعامل سوى مع المجموعات الاقتصادية الكبرى أو من له غطاء سياسي في الرباط، وهؤلاء لا يستثمرون في الصناعة بل «يقامرون» في العقار الذي يبيض ذهبا. المشكل الرابع لدى الصناعة المغربية هو فساد الإدارة التي تحيط الاستثمار ببيئة معادية تماما، وتضع العراقيل وحواجز الفساد والرشوة أمام أي مقاولة تريد أن تجرب حظها في قطاع حساس مثل الصناعة. كل هذه العوامل لا يتحكم فيها مولاي حفيظ العلمي، لهذا مخاوفي كبيرة من أن تظل الخطة الصناعية حبرا على ورق وتصاميم على ماكيت.