أخيرا، وبعد سبع سنوات من العمل، قررت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري إعادة النظر في الضوابط المتبعة لضمان تعددية سياسية وفكرية في الإعلام السمعي البصري، مُشهرة عصا «المساءلة» بدل الاكتفاء بالرصد والملاحظة وتعداد خروقات القنوات والإذاعات. فقد أكد التقرير الدوري الجديد للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، حول التعددية السياسية والفكرية في البرامج الحوارية للإعلام السمعي البصري خلال النصف الأول من السنة الحالية، عجز المنظومة القانونية الحالية عن ضمان حد أدنى من الحضور المتنوع والمتكافئ لمختلف التيارات السياسية في هذا الإعلام، حيث تواصل القنوات التلفزيونية والإذاعية عملها بعيدا عن الحصص التي حددتها ال»هاكا» لكل فئة من فئات الطيف السياسي المغربي. القرار المنظم للتعددية السياسية في الإعلام السمعي البصري، والمعتمد من طرف الهيئة حتى الآن، يعود إلى سنة 2006، إذ باتت العديد من المستجدات القانونية والدستورية والسياسية تتجاوزه. هذا، وينص القرار على عدم تجاوز المدة الزمنية الإجمالية لمداخلات أعضاء الحكومة وأحزاب الأغلبية البرلمانية، ضِعفَ المدة الزمنية المخصصة للأحزاب المنتمية إلى المعارضة البرلمانية، مع ضرورة احترام شروط برمجة متقاربة ومتشابهة. كما ينص هذا القرار، على تمكين الأحزاب غير الممثلة في البرلمان من مدد زمنية لإبداء مواقفها من الأحداث والقضايا التي تهم الشأن العام، مع تمكينها من 10 في المئة من مجموع المدة المخصصة للحكومة والأحزاب الممثلة في البرلمان. مقتضيات أخرى دأبت قنوات الإعلام العمومي وإذاعات القطاع الخاص، على تجاهلها منذ وضع الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري هذا القرار، حيث يكشف التقريرالجديد عن تباينات كبيرة بين المحطات الإذاعية والتلفزيونية، إذ تهيمن الحكومة على البرامج الحوارية والمجلات، فيما تتحول إلى أقلية في البعض الآخر، وتتحوّل إذاعات إلى منابر لأحزاب بعينها فيما لا تعترف أخرى بالأحزاب الموجودة خارج البرلمان.. اختلالات يحمل تقرير الهيئة الجديد ما يفيد الإقرار بوجودها من خلال الإعلان لأول مرة عن انكباب الهيئة على إعادة النظر في قرارها المنظم للتعددية السياسية والفكرية في الإعلام السمعي البصري، «بهدف بلورة نص من شأنه ملاءمة المقتضيات الجاري بها العمل مع المبادئ والقواعد الدستورية الجديدة والسياق العام، مع مواكبة وإنجاح الانتقال التدريجي من مرحلة استيعاب القواعد وتبنيها من طرف المتعهدين إلى مرحلة المساءلة على الالتزام بمراعاتها، وهي المهمة التي ينكب على إنجازها حاليا المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري». خلاصات التقارير التي قامت الهيئة بإصدارها منذ 2007، أبانت عن عجز الآليات القانونية المتبعة حتى الآن عن تحقيق تعددية حقيقية في الإعلام السمعي البصري، وإعطاء صورة مطابقة لواقع الحال. إذ تكشف الأرقام المتواترة أحيانا عن هيمنة شبه مطلقة للصوت الحكومي في الإعلام السمعي البصري، التي سرعان ما تتلاشى أمام الأرقام التفصيلية حسب الفئات والهيئات. فحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، يحصل أحيانا على حصة شبه مساوية لحزب في المعارضة. واحتساب المدة الحقيقية للخطاب المؤيّد لهذه الحكومة، قد يؤدي إلى نتيجة مفادها ضعف نسبة هذا الخطاب مقارنة مع نظيره المعارض، إذا علمنا أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب الذي يهيمن على حصة الهيئات المهنية كان في مراحل طويلة مناوئا للخيارات الحكومية، وأن المركزيات النقابية الثلاث التي تتصدّر لائحة ال»هاكا» من حيث الحصة من الإعلام السمعي البصري، كلّها تندرج في تيار فكري وسياسي معارض للحكومة، ويتعلق الأمر بكل من الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل، علاوة على حزب الاستقلال الذي قضى الجزء الأكبر من فترة وجوده في الحكومة مرددا لخطاب معارض.