ما من شك في أن البطولة المغربية لكرة القدم شهدت تطورا ملموسا و على أكثر من مجال ، أقلها الكفاية التنافسية الكبرى التي أخذت تشهدها كثير من المباريات ، و العودة غير المألوفة للجماهير العاشقة للمدرجات لمؤازرة أنديتها بطرق و وسائل مبتكرة ، و داخل مركبات رياضية معتبرة . غير أن الخلل الكبير و المخيف الذي يهدد راهن و مستقبل الكرة المغربية يتمثل تحديدا في ظاهرة الشغب المقيتة . صحيح أن الشغب أضحى مكونا شبه بنيوى في عدد من الملاعب الكروية العالمية و ليس المغربية فقط ، لدواعي سوسيو اقتصادية ، بل و سياسية بالأحرى ، إلا أن هكذا ظاهرة اجتماعية رهيبة من شأنها أن تصيب الرياضة المغربية في مقتل ، و أن تدمر كل المجهودات الصادقة و المخلصة الصادرة عن مسؤلين وطنيين ، يرومون الخير و النماء و التقدم لوطن ، ننام و نصحو على حبه. سبب نزول هذا الكلام ، هو ما شهدته مدينة الدارالبيضاء من شغب غير مسبوق ، و أعمال عنف و تخريب للممتلكات و مواجهات دموية ، إثر مواجهة الدربي التقليدي بين الرجاء و الوداد البيضاويين ، في سياق الجولة الثانية عشرة من البطولة الاحترافية . و إذا كانت جماهير الناديين قد بذلت جهدا يستحق التقدير سواء بحضورها المكثف ، حيث غطت جنبات المدرجات عن آخرها ، أم تعلق الأمر بتشجيعاتها الحماسية طيلة أطوار المقابلة ، إلا أن المآل الذي خلص إليه هذا اللقاء الرياضي كان بالغ السوء ، و قد تمثل في مشاهد الرعب داخل الملعب ، و في الأحياء المحاذية لفضاء " الموقعة " . و في اللحظة التي أصبحت فضائيات تلفزية دولية تطلب ود الدوري المغربي ، و تعبر عن رغبتها الأكيدة في شراء حق بث البطولة الاحترافية المغربية لكرة القدم ، يقبل بعض المحسوبين على الجماهير الرياضية ليعيثوا في الأرض فسادا ، و يملئوا قلوب الناس رعبا و ترهيبا ، و يحيلوا حياة من أٌقبلوا إلى متابعة المقابلة مع أصدقائهم و أبنائهم جحيما لا يطاق . و في مقابل هذه الصورة الحافلة بمظاهر الأسى و الألم و الحسرة ، شهدت مدينة طنجة لقاء كرويا يندرج في نفس الدورة الثانية عشرة من البطولة المغربية ، بين نادي المدينة الاتحاد الرياضي لطنجة و الفتح الرباطي ، و الذي انتهى بهزيمة الفريق المضيف و أمام جمهوره الأسطوري ، لقد تميزت هذه المقابلة بمستوى فني لا باس به مقارنة بلقاء دربي البيضاء ، بيد أن ما طبع هذا النزال بالإضافة إلى لوحات فنينة بديعة ، ساهم في رسم معالمها لاعبو الفريقين معا و لاعبو الفتح بشكل خاص ، هو الصورة الحضارية المشرقة التي قدمها جمهور مدينة طنجة ، لقد توجه المشجعون و المشجعات إلى مركب ابن بطوطة الكبير ، بلباس شبه موحد يحيل على زرقة الأبيض المتوسط ، بأعداد قياسية كالمعتاد ، و لم يتوانوا عن مساندة فريقهم بكل ما أوتوا من حماسة استثنائية . بل إن الجماهير الطنجوية و قفت مجتمعة في نهاية المقابلة و فريقها منهزم ، و هي تصفق للناديين معا ، لما بذلاه من حوار رياضي راق ، معترفة بالهزيمة ، و مؤمنة بنصر قادم ، فالقاعدة الذهبية و الثابتة للمنافسة الرياضية هي : يوم لك و يوم عليك . أملنا كبير في أن يوضع حد نهائي و عاجل لظاهرة الشغب التي أضحت تقض مضجع المعنيين بالشأن الرياضي ، من جماهير و مسؤولين و إعلاميين .. غير أن معاجلة هذه الآفة السرطانية لا يمكن أن ترى النور ، إلا إذا أنزلنا آلية ربط المحاسبة بالمسؤولية على أرض الواقع ، و ليس عبر المنتديات التلفزيونية و أحاديث صالونات الفنادق المصنفة ، و ضربنا بيد من حديد على رؤوس الفساد و المتورطين الكبار قبل الصغار ، الذين دأبوا على الاصطياد في الماء العكر ، و العمل على خدمة مآربهم و مصالحهم الضيقة ، أما مصلحة الوطن و الشعب فلتذهب إلى الجحيم !