الخط : انطلقت المسيرة الخضراء، منذ 48 سنة، من كل أنحاء المغرب، وقادت مئات الآلاف منهم نساء وذكورا شبابا وشيوخا إلى الصحراء. أما المسيرة التي أعطى انطلاقتها الملك محمد السادس يوم سادس نونبر الجاري فستكون زرقاء.. وستكون نقطة انطلاقها .. وليس وصولها هذه المرة، هي الصحراء المسترجعة! كانت المسيرة الخضراء، لحظة استرجاع الأراضي المغتصبة وتحريرها، بأسلوب مبهر، وعبقري، تمت خلاله تعبئة الطاقات المتفجرة لشعب قوي العزيمة، مصر على استكمال حرية بلاده. وكانت السنوات الطويلة، التي أعقبتها مسارا شاقا وعصيبا، من الحروب الباردة تارة ومن القتال الميداني الطاحن تارات عديدة، قدم فيه الشعب المغربي خيرة أبنائه للدفاع عن حوزة الوطن.. وطبعت هذه المرحلة معارك ديبلوماسية، إقليمية ودولية وقارية ضارية.. يخرج منها المغرب منتصرا كل يوم بالمزيد من الإنجازات.. واليوم، بعد استكمال الوحدة الترابية وتحصين الحدود الوطنية، بفضل الجدار الزمني والجدار الديبلوماسي والجدار الشعبي المتأهب دوما وإنهاء كل الأطماع، واصل الملك محمد السادس المسيرة بمسيرات أخرى، متواصلة الحلقات، للتنمية وللتأهيل العمراني والاقتصادي والاجتماعي، بتوسيع شبكات التنقل، وتقوية النسيج الإنتاجي وتشكيل الأقطاب الاقتصادية، وفتح الاقتصاد المحلي لإقليم الصحراء المسترجعة على الاقتصاد الوطني، أولا ثم بعده الاقتصاد العالمي وأساسا الإفريقي منه... لقد هيأ الملك محمد السادس كل شروط النضج لكي تتحول منطقة الصحراء، من نقطة ينتهي عندها التحرير الوطني إلى نقطة يبدأ منها التحرير الإفريقي، يعني قارة بكاملها من شروط الإجحاف التي عانت منها، ونقطة انطلاق مسيرة زرقاء، محورها المحيط الأطلسي، وفضاءات مياهه الدولية. ولعل المعطيات التي سجلناها في هذا الإطار تبين بأن الأمر ليس مجرد نزعة احتفالية بعودة المغرب إلى أسرته المؤسساتية الإفريقية، ولا محض احتفال بالاحتضان الإفريقي لمغربية الصحراء، بل هو تتويج نهج جدي، عقلاني وبراغماتي استشعره الملك محمد السادس منذ فترة غير وجيزة، وهو من صميم تثمين نقط القوة التي يملكها المغرب ويريد تجويدها ومنها اليوم القدر البحري للمغرب، على أن يكون مبتدأ ومنتهى هذه المسيرة الزرقاء، هو الدول والقارة الإفريقية وليس الوطن المغربي وحده. ليس صدفة أن المغرب طور لنفسه استراتيجية وطنية للاقتصاد الأزرق، والذي عنينا هنا في بعده البحري، والأطلسي تجديدا، وهو اقتصاد يسعي من وراء تطوير بنايته إلى جعله قاطرة للتنمية الصديقة للطبيعة، وأيضا إدماج القارة الإفريقية في الفضاء الدولي. ويمكن القول بأن المغرب وكما في المسيرة الأصلية، هيأ كل البنيات والموارد البشرية واللوجيستيك الضروري لكي يتم هذا الانتقال القاري نحو البعد الأطلسي والاستفادة من الحكامة البحرية كما وضعها الملك محمد السادس. كما يمكن القول بأن المغرب يتجاوب عمليا مع طموح إفريقي موجود، لكنه غير مفعل، إذ أن الاتحاد الإفريقي سبق له أن أعلن في أجندته للتنمية في أفق 2063 بأن الاقتصاد الأزرق يمكنه «أن يضطلع بدور رئيسي في تحقيق التحول الهيكلي إفريقيا والدفع بعجلة النمو الاقتصادي المستدام والتنمية الاجتماعية...». وحضر أيضا كطموح قاري في مؤتمر نيروبي بكينيا في نونبر 2018 (ياللمصادفة السعيدة) وشارك فيه 15.000 شخص من كل أنحاء العالم، لكن الواضح أنها المرة الأولى التي يقدم فيها بلد إفريقي معين له حضوره الإفريقي ومساهماته الواضحة، عرضا واضح المعالم قابلا للتطبيق والإقناع بانخراط جماعي، يحكمه التدرج في البناء وليس في القناعة! ولعل أقوى نقط العرض المغربي هو الدعوة إلى إخراج دول الساحل من المستنقع الذي وضعته فيه الدول المتنافسة على خيراتها، بعيدا عن البحر وعن إمكاناته الهائلة في تأهيل اقتصادياتها، وهي الدول التي يريد المغرب أن تستفيد من مسيرته الزرقاء بحيث تصبح لديها مكانتها في التشبيك الأطلسي الدولي، وليس القاري فقط بما يسمح لها من تطوير بنياتها التحتية وفرص الاستثمار لخلق الثروة وخدمة الإنسان.. والانعتاق من التقاطعات السياسية الدولية والاستخدامات غير البريئة لوضعها الداخلي بما يعطل نموها وتطورها ودمقرطتها.. وخلاصة القول إن الملك محمد السادس يعلن انطلاق المسيرة الزرقاء لفائدة القارة السمراء بمناسبة المسيرة الخضراء!