رجل قصير القامة وذو لحية قصيرة طاعن في السن يأخذ في يده عصا يتكئ عليها ويهش بها على غنمه,،وأما نوعية الملابس التي يرتديها فيرى عليها أثر السفر، و وجهه كروي الشكل، عيناه غائرتان، في حين يجر ذيل جلباب مقطع ومرقع أسود اللون على الارض. يمر على قرية غريبة معزولة وسط غابة من أشجار الأرز والعرعار, يظهر من لونها ونوعها أنها أشجار معمرة لسنين ومعه ثلاثة أغنام مقطوعات الأُذُان اليمنى بيضاء اللون كبيرة البنية. و تتميز القرية بطبيعة خلابة ومجاري مائية تضفي عليها طابعا خاصا لا مثيل له في القرى المجاورة وبنايات من الطين الأحمر، أسقُفها من الصلصال الأحمر وجذوع الأشجار، وهذا ما أغرى صاحبنا بالمكوث في هذه القرية إلى حين، ويظهر من حركات عينيه إعجابه بهذه القرية المغرية بثرواتها المتنوعة الطبيعية منها والحيوانية. يدخل على حين غفلة عند أذان المغرب وجل أهل القرية قصدوا المسجد إلا النساء اللواتي يعملن داخل بيوتهن. وأول ما فكر فيه قطع الأذان اليمنى لبعض أغنام أهل القرية، ولم يدر أي أحد بفعلته هاته من الساكنة. هذا ليقصد أحد البيوت لطلب المبيت حتى فجر اليوم الموالي. يصول ويجول في القرية يمينا وشمالا ليقف عن قرب على مداخلها ومخارجها، ولكون أهل القرية يجمعون أغنامهم في زريبة واحدة.. إلا أن هذه الملاحظة لم تفته دون استغلال الفرصة بذكاء خارق تسوده حنكة ومعرفة بالواقع المعاش، ليبدأ بصوت مرتفع تعلوه الحدة والقوة على أن أغنامه ضمها إلى أغنامهم، وأنها مقطوعة الأذان اليمنى. واستقبلوه بالترحيب وكرم الضيافة دون أي رد فعل مسبق لما كان يقول. فيأخذه أحدهم كي ينام عنده ويرتاح.. وحين آوى إلى الفراش طالب منه مضيفه أن يكون راعيا عندهم في القرية، وذلك لان راعيهم الأول قد رحل، ليدفعه حب القرية وعشقه لها إلى قبول الطلب بدون شروط. ليتركه صاحب البيت يخلد للراحة والنوم، ولكنه ظل يفكر حتى الفجر لتطلع شمس يوم جديد وحياة جديدة. يقصد الزريبة وينْدَهش لمّا وجد ناس القبيلة يستغربون مما وقع للأغنام في مجمع اندهش له البعض. لم يفهم شيئا من الأمر فخاطبهم مستغربا: لم استغرابكم واندهاشكم؟ فأجابوه: الأغلبية من أغنامنا قطعت أذانها، فباغتهم: الأغنام أغنامي ولقد قلت لكم ذلك أمس بصوت مرتفع .. فأذعنوا للأمر وقبلوا كلامه بدون أدنى اعتراض، فأصبح الرجل غنيا ذا ثروة لاتقدر بمال بين ليلة وضحاها، وهذا ما استغرب له صاحب البيت الذي أعطاه المبيت عنده فبدأ بالتفكير في طريقة ينتقم بها منه، وفتح الموضوع مع زوجته بأن يضعوا له كمينا للنيل منه ولكن ذلك لم يفت على صاحبنا الذي كان يسترق السمع من ركن في البيت ويسمع لحديثهم حوله، واتفق صاحب البيت مع زوجته على قتله شنقا إذْ أمر زوجته بالنوم في الجانب الآخر من الرجل ليقول لها زوجها حينما يخلد الجميع للنوم جري الحبل فتجر ويموت صاحب الأغنام وترتاح القرية منه ومن كمائنه. في الليل، صمت يسود المكان، قمر يضئ بنوره كل ركن من أركان القرية. في بيت تحفه الأشجار من كل جانب بعيدا عن باقي منازل القرية، يجري نهر من أمامه يضفي عليه جمالية ورونقا، بيت شاسع المساحة من بين أجمل وأحسن بيوت القرية. عمد أهل البيت إلى النوم وأخذ كل مكانه المعهود به.. وحين غرقوا في النوم - بالمناسبة لم يغمض للرجل جفن- يقوم الرجل بتغيير مكانه إلى مكان زوجة صاحب البيت ووضع الحبل الذي كان من المفروض وضعه له هو على رقبة الزوجة، وفي وسط الليل يقول صاحب البيت لزوجته ظنا منه أنّها في مكانها وبصوت خافت "جر الحبل" فجَرَّ الرجل حتى لفظت آخر أنْفاسها ولم ينبس أي أحد منهم بكلمة واحدة. وعند أول الشروق سيأتي الخبر اليقين فذهب كل منهما من طريق وبدا الرجل يقول ماتت زوجة فلان والآخر على سكة أخرى يقول قُتِل الرجل وسنحصل على أغنامنا التي فقدناها، إلاّ انه سيصطدم بالحقيقة المرة لما يعلم أنّ الذي توفي من المكيدة زوجته وليس الرجل.. لتعيش القرية حالة من الحزن والأسى وقاموا بمراسم الدفن وذهب كل إلى حال سبيله. دفع خبث الرجل وجشعه الكبير إلى ملء سلة بالبيض وقام بوضع أفعى سامة فوق البيض، وفي صعيد واحد جمع بين الإثنين، فطلب الرجل من صاحب البيت إعداد طعام لهما يسد رَمَقَهما من الجوع، وهذا ما دفع هذا الأخير بمد يده إلى السلة ليجد في استقباله سيدة تنتظر قدوم فريسة أو شيئا من هذا القبيل ليصاب بلسعتها ويرقد في مكانه ميتا أمام أعْيُن رجل ظل يشاهده هو يتجرع كأس الموت دقيقة بدقيقة، و لم يسعفه ولم يقترب منه، فخرج يصرخ بصوت يشوبه الاحتيال لسع.. مولاي.. لسع مولاي.. ويموت صاحب البيت بعد أن انتقلت زوجته إلى دار البقاء قبله، ولم يوجد وارث لهما على أرض الواقع وبعد مفاوضات بين أطراف القبيلة –القرية- تم تسليم كل شيء للرجل الغريب ويصبح معه مالكا لكل شيء، ويضم معه البيت إلى الأغنام حاصلا من ذلك على شيء يشقى الناس على الحصول عليه بشق الأنفس لسنين وسنين طوال. ملحوظة : القصة مقتبسة من الثقافة الامازيغية, والشخصيات التي لعبت أدوارها من محض الخيال. لحسن بلقاس [email protected]