أجمع المتتبعون والمحللون السياسيون أن حكومة العثماني في نسختها الثانية الأكثر تجميعا للقطاعات في تاريخ الحكومات المتعاقبة على المغرب، منذ الاستقلال، فهي حكومة بكل تأكيد الأكثر تجمعا والأكثر تركيزا والأكثر فاعلية. فريقه حكومي جديد مكون من 23 عضوا، هذا الرقم وحده يؤكد الطابع المركز والمقلص للحكومة الجديدة. ذلك أن الحكومة بتشكلها من 50 في المائة من الوجوه الجديدة، تكون قد جسدت الإرادة الملكية وحاجة البلاد في ضخ دماء وكفاءات جديدة، إذ تم تخفيض هذه الحكومة أيضا بنسبة الثلث مقارنةً مع الحكومة السابقة التي خضع تشكيلها لحسابات سياسية مرتبطة بإرضاء الأحزاب الستة التي تشكلها بدلا من خضوعها لمتطلبات الكفاءة التي تمليها الظروف الاقتصادية والمصلحة العامة للبلاد.
ويرى متتبعون للشأن العام أن المغرب لأول مرة أمام فريق حكومي معقلن وعصري، حيث تم الاحتفاظ بالعناصر الفعالة وأضيفت إليها كفاءات.
ولعل المثير في حكومة العثماني هو حذف بعض الوزارات وتجميع أخرى في قطاع واحد، وهكذا تم حذف وزارة الشؤون العامة والحكامة و إدراج صلاحياتها، الاستراتيجية للغاية، ضمن اختصاصات وزارة المالية، وهذا الأمر يعكس الرغبة في إلحاق الإدارات الاستراتيجية بالوزارات التي لديها الخبرة والقدرة الحقيقية على إدارتها.
غير أن تقليص عدد وزراء الحكومة، لا يجب أن ينسينا أن الحكومة حافظت على الطبيعة السياسية البحتة واحترام نتائج صناديق الاقتراع من حيث تمثيلية الأحزاب.
من ناحية أخرى، تم تعزيز هذه الحكومة من خلال الانفتاح الذكي على كفاءات جديدة، وللتأكد من ذلك يكفي الاطلاع على السيرة الذاتية لخالد آيت طالب الذي عين وزيرا للصحة وهو من الشخصيات العلمية والطبية المعروفة في المغرب. وينطبق الشيء نفسه على تعيين نادية فتاح العلوي، وزيرة للسياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، التي كانت تشغل إلى حدود تعيينها منصب المدير العام لشركة "سهام فاينانس"، والتي قضت معظم حياتها المهنية في القطاع الخاص.
نفس الملاحظة تنطبق على إدريس أوعويشة، الوزير المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، الذي كان يشغل في السابق رئيس جامعة الأخوين بإيفران. ومن المرجح أن ينفض الغبار بشكل جدي عن القطاع العام الذي أصبح مسؤولا عنه. والأمر يتعلق بباقي الوجوه الجديدة.
هي إذن حكومة مقلصة ومشكلة بذكاء وهي أيضا متماسكة، إذ نحن أمام وزارات قوية لها مقومات ووسائل لتحقيق أهدافها، وهذا ما يفسر إلغاء كتابات الدولة، وبالتالي وضع حد للحروب التي كانت تقع بين كتاب الدولة والوزارات الوصية.
يتجسد تماسك الحكومة الجديدة في ربط الثقافة بالشباب والرياضة، هذا الأمر منطقي، وكان يتعين التفكير فيه منذ زمن، فتطور الشباب يمر عبر الثقافة والرياضة.
كل هذه العوامل تسهم في أن هذه الحكومة السياسية، التي تعززت بالانفتاح الذكي على الكفاءات، لديها كافة المقومات لإنجاح مهمة إصلاح التعليم والصحة، والرفع من القدرة الشرائية للمواطنين واستعادة الثقة للشباب.