عبد الإله الوزاني التهامي في ظل غموض تام يجتاح غمارة فيما يخص عدم نفاذ مستخلص الكيف الحشيش لهذا العام و العامين السابقين ، يباشر الفلاحون المستضعفون عمليات حرث نفس النبتة رغم شح الأمطار و رغم عدم توفرهم على مستلزمات عملية الحرث المادية التي تكلفهم مبالغ مادية كبيرة فضلا عن المجهود العضلي الفردي و الجماعي الذي بدونه لا يمكن إتمام العملية كما يجب . غموض كبير يلف مسألة عدم بيع و نفاذ حشيش هذا العام ، فمن ما يقال أن "البحار مزيار" في إشارة إلى الإجراءات الأمنية الصارمة المضروبة على كل شبر من شواطئ الإقليم خاصة ، إلى درجة أن "بياخي واحد" لا يخرج على حد تعبير أبناء المنطقة . و من جملة ما يقال أيضا حول سبب ذلك ، أن شبكات الاتجار الدولي في المخدرات باتت تتعامل مع الشبكات المغربية على مستوى المقابل و المقايضة ليس بالعملة الصعبة نقديا بل و لا بالدرهم ، بل أصبحت تقابل الحشيش المغربي بأنواع محددة من المخدرات العالمية الصلبة و غيرها ، كالكوكايين و الهرويين و ما شاكلهما من المخدرات القوية ، مما جعل الشبكات "البلدية" تتراجع عن التعامل مع الشبكات الدولية ما لم تضمن مقابلا ماديا ماليا عينيا يؤخذ في عين مكان "تصدير / تهريب الحشيش المغربي الخالص . و من ضمن ما يروج في أوساط الرأي العام ليس محليا فحسب و إنما على نظاق وطني و دولي واسع ، أن عملية تشديد الخناق على الحشيش في الشواطئ الشمالية مرده إلى سبب قل من يستطيع الكلام عنه رسميا ، يتجلى في كون لوبي رفيع المستوى و الدرجات ، يعمد إلى إعطاء أوامره المطاعة بعدم السماح و لو ل"بياخي " واحد بعبور البحر ، و إذا حدث ذلك غفلة يتم القبض على الكمية في الحال و على حاملها ، حتى لا يستطيع أحد مهما كان رأسماله و تجربته في "التبزنيز" أن يجمع الحشيش من الفلاحين بقصد شحنها في البحر اتجاه إسبانيا و غيرها من النقط المعتادة . و كل هذا ليبقى مستخلص الكيف في البيوت و يهبط ثمن "الكرام" إلى مستوياته المتدنية جدا ، فيفسح مجال الاقتناء و جمع المحاصيل أمام "اللوبي" المذكور الذي يحظى بكل ضمانات الأمن و الحماية أثناء جمع الحشيش و أثناء شحنها إلى أن تصل آمنة إلى نقط التفريغ . من المتضرر إذن من هذا الأسلوب الخبيث في تسويق الحشيش ، أولا مبدئيا الكل له موقف من المضار الاجتماعية و التربوية الجسيمة لهذه النبتة الخبيثة و هذا ليس موضوعنا ، موضوعنا أن الفلاح ابن المنطقة هو الضحية الأول و الأخير من ما يحاك ضده سنويا و على مدار العام و هو في دار "غفلون" ، هذ الفلاح المواطن الذي يظل طوال العام يجد و يكد و يكدح من أجل أن يحصل على نصيب مهم من المحاصيل و ينفق من أجل ذلك مبلغا ماليا كبيرا ، يتفاجأ في الأخير بجمود و ركود السوق بسبب الحصار المقصود ، فيبقى معلقا بين ديون عام انصرم و مصاريف عام جديد ، فلا هو يستطيع تسديد الديون التي بها أكل و شرب و لبس و حرث ، و لا هو يستطيع المغامرة من جديد بمراكمة ديون أخرى لذات الغرض . و مع هذا و ذاك لا حديت البتة عن وجود نية للدولة العميقة في إحداث و إنشاء بدائل اقتصادية و اجتماعية ، تغني الساكنة عن هذا الضنك و العذاب المتكرر ، علما أن للمنطقة خصوصيات و مؤهلات كبيرة جدا بشرية و طبيعية و استراتيجية ، لم تستغل و لم تستسثمر نهائيا مع سبق الإصرار في تحريك عجلات التنمية . إن عذاب أهل غمارة و كل المناطق المبتلاة بزراعة الحشيش لا ينتهي و لا تبدو في الأفق بوادر انتهائه ، خاصة في ظل مجتمع مفكك البنى و مضطرب الأوضاع و مختل الموازين بحيث يكون بهذا الحال سهل التطويع و التركيع و قبول الوضع كيفما كان سيئا . مع الأسف الشديد و إن لم نجد من يتأسف مثلما نتأسف كان لغمارة حضور قوي جدا في المشهد الوطني و الإقليمي و الدولي ، على مستويات عدة ، غمارة كانت منبتا للعلم و مشرقا لأنواره ، و منبتا لخيرات الأرض من خضروات و قطاني و فواكه ، و بحرها كان مصدرا للرزق للأهالي و لغيرهم من كل أنواع الأسماك ، و ملتقى لسفن العالم حيث كانت في أعاليه تتم عمليات تبادل تجارية ضخمة ، غمارة في غنى تام عن كل ما يجعلها لعبة في أيدي حكام لا يعرفون سوى لغة المال و لو كان أسودا قاتم السواد يجنى على ضهر ساكنة بريئة . و أما على المستوى الجهادي فسجلات التاريخ طافحة بملاحم عظمى ، لا نذكر منها الحروب التي خاضها الأهالي ضد المستعمر الإسباني إلا على سبيل الاستئناس ، بل الأجدر بنا أن نستحضر مشاركة الغماريين القوية معية الفاتحين في فتح أروبا عبر فتح الأندلس . فهل يليق بغمارة أن تتوبأ مقاعد التخلف و الدونية بجرها قهرا نحو دركات التمدن السفلى ، و إدارة الضهر لتاريخها العظيم و لأهاليها الأشاوس ؟