أرددها مرة ثانية: حينما كانت المساء تكتب عن ملف الكيف وخصصت له أكثر من 5 ملفات/ تحقيق للحديث عن "النبتة العجيبة" كما وصفها يوما حكيم بنشماس، وعن معاناة المزارعين، والهاربين من العدالة، وتحكم مافيا الاتجار الدولي في المخدرات في رقاب العباد في المناطق المعروفة بزراعة الكيف، وعن حرب المياه التي تحصد سكان أبرياء ذنبهم الوحيد أن الحياة قذفت بهم في رقعة جغرافية لا ينبت فيها إلا الكيف، -حينما- استل من أصفهم دائما ب"حراس الكيف" أسلحتهم، وقالوا إننا نستكثر عليهم الأمر، وننفخ في الحقائق ونهول الحقائق، ونساهم في تجفيف أرزاق الناس زورا وبهتانا. وصلت الوقاحة ب"حراس الكيف" إلى درجة أنهم أنشأوا صفحات وهمية على الفايسبوك وشرعوا في تهديد عائلاتنا ويهددوننا بصريح العبارة. وحراس الكيف، إذا شئتم الدقة أكثر، ليسوا مجرد مافيا فقط تشتغل بالكيف وتستنزف عرق الناس.. لا أبدا. إنه مزيج ممن يصفون أنفسهم بالحقوقيين، وبعض النشطاء الجمعويين، ومزارعين للكيف والمتحدثين باسم مافيا الاتجار الدولي في المخدرات. إنهم يشتغلون في صمت، ومهمتهم الوحيدة في الحياة هو مهاجمة كل المبادرات الصادقة التي تفكر بالعقل في مشكلة باتت تؤرق الدولة كما لم تكن من قبل. الآن، وبعد أن استبدت الأزمة بالمزارعين، وأحكمت المافيات الكبيرة سيطرتها على السوق، وتشديد السلطات الأمنية حدة الطوق المفروض على التهريب الدولي للحشيش، أحس الجميع بالصهد لأن الذي كان إلى أمد قريب مشكلا اجتماعيا أصبح الآن مشكلا أمنيا حقيقيا لا يمكن التفكير به بالمنطق القديم"الخوف مقابل زراعة الحشيش". ابن كيران وقيادات حزبه التي تتحدث كثيرا، هاته الأيام، عن زراعة الكيف، وعن "موبقات" التقنين التي اقترحها غريمه السياسي حزب الأصالة والمعاصرة، يظهر أنهم لا يعرفون شيئا عن الكيف ولا عن القضايا المرتبطة به، وكل ما يهمهم هو "قليان" السم لإلياس العماري. دعنا نشرح لابن كيران بشكل بسيط قضية الكيف: -قضية الكيف ليست قضية العماري ولا غير العماري، إنها كانت على الدوام قضية دولة، فتارة تلجأ إلى سياسة "عين ميكا" وتغض الطرف عن زراعة الكيف، وتارة أخرى تهاجم الحقوق وتحرق جزء منها كما حدث غداة صدور التقرير الأوربي الذي ورط شخصيات سياسية معروفة في الاتجار الدولي للمخدرات. -المزارعون الصغار لا يجنون من وراء هذه الزراعة سوى ما يقارب ثلاثة ملايين، وهو المبلغ الذي نزل إلى ما دون المليونين في السنتين الأخيرتين، أي بمبلغ شهري لا يتعدى 2000 درهم، إذا أخضعناه لعملية الطرح فإن الربح الصافي للفلاح البسيط لن يتجاوز 750 درهما للشهر. -جزء صغير فقط من الفلاحين الذين يحولون الكيف الخام إلى"حشيش" قابل للتسويق الوطني أو الدولي، وجزء كبير من هؤلاء المزارعين تربطهم علاقات بمافيات ذات امتداد دولي. -حرب المياه وفرار المئات من العدالة بسبب شكايات كيدية يفضي إلى معاناة قاسية للسكان في تلك المناطق وبيان ذلك أن منطقة باب برد التي تعد من المراكز الأساسية لزراعة القنب الهندي تشهد نسب عالية من الانتحار، زد على ذلك تحالف الطبيعة مع الكيف..ومع الزلزال في بعض الأحيان.. ولك أن تقدر حجم المأسأة. -المزارعون لا يعرفون عما يتحدث أهل السياسة، بل ولا يعرفون إطلاقا أن دمهم تفرق بين قبائل سياسية ترى فيهم مجرد أصوات انتخابية توظف يوم الاقراع ثم تقذف إلى مصيرها في معاركة شعاب الجبال. -زراعة الكيف كانت دائما أمرا عاديا لدى السكان، إلى حدود انطلاق الحملة الدولة لمواجهة زراعة الكيف، والدولة بنفسها تعرف حجم الاقتراب من المورد الأساسي للساكنة، ولذلك فإن الداخلية راكمت تجربة طويلة في سن "سياسة العصا والجزرة" مع المزارعين. أما إذا صدق السياسيون أنهم قادرون على فعل أي شيء في المناطق المعروفة بزراعة الكيف، فهذا تصور خاطئ مبني على الكثير من الأوهام، لأن هناك"عقل للدولة" لا يسمح باللعب بالنار ثم إن جيلا جديدا من الشباب الواعي أصبح قوة ضاغطة تتوفر على دعم قوي من السكان، وإن كانت تنقصها الخبرة إلا أنها تؤمن بالشعار الماركسي القديم..الأرض لمن يحرثها.