لم يكن اليوم الذي اتكأت فيه على ذراعه عاديا، يومها تنبهت أنه لم يكن شغفا به، إنما مجرد خوف من السقوط من على الكعب العالي، تبدو هذه الفكرة مريحة لرجل يفضل أن تظل المرأة غير متوازنة في وقفتها على كعبها ولا تشكل خطرا سلطويا كما كان يظن في الماضي القريب. ولكن هناك نساء أخريات لا يحتجن إلى ذراع يتكئن عليها، فالكعب العالي تفصيل صغير في روتين حياتهن اليومية، هؤلاء يحملن أنفسهن على كعب رفيع، يرتدين « الألم اللذيذ » -كما سماه كريستيان ديور- وينطلقن بخطى عالية وواثقة إلى معترك الحياة. لا، لم تكن النساء، فالرجال هم أول من انتعلوا الكعوب العالية في وقت مبكر من القرن العاشر، ويعتقد أن الفرس كانوا السباقين، خاصة الجنود أثناء ركوب الخيل لأن الكعب العالي يساعدهم على البقاء في ركابهم، وهذا يفسر استمرار رعاة البقر في ارتدائه حتى اليوم. في القرن ال16 أعجب به الأوروبيون، وكان ملك فرنسا لويس ال14 يرتدي الكعب كمعيار للرفعة والرجولة والأرستقراطية، وبحلول القرن ال17 الأوروبيون الأرستقراطيون يرتدون الكعب، ثم بدأت نساء الطبقة العليا يرتدين الكعب تشبها بالرجال. وتعتبر أول حالة نسائية مسجلة لارتداء حذاء بكعب عال في القرن ال16 لامرأة تدعى كاثرين دي ميديسي التي أصبحت زوجة الملك الفرنسي هنري الثاني، ويقال إنها أرادت أن تبدو أطول في حفل زفافها، إذ كان طولها 150 سنتيمترا. في القرن ال18 اعتبر الرجال الكعب غير عملي، وأصبح الكعب العالي راسخا كحذاء للسيدة، ومع الثورة الفرنسية في عام 1789 اعتبر الكعب مثالا ل »عدم عقلانية المرأة » وشعارا للسطحية، وبحلول القرن ال19 كان الكعب أنثويا بلا منازع. تقول كوكو شانيل « اجعلي كعبك ورأسك ومعاييرك عالية »، ويعتبر كريستيان لوبوتان أن الكعب العالي يمكّن المرأة بطريقة ما. وتعترف النساء بسحر الكعب العالي رغم أنه مؤلم وغير مريح، ويمكن أن يؤدي إلى تلف في القدم حتى أن البعض يجرين عمليات جراحية لتقصير أصابع القدم وتمويت الأعصاب للتحايل على آلامه، ولكن تظل لكل سيدة فلسفتها الخاصة لتفسير القبول بهذا الألم. تقول سيدة الأعمال آلاء حيدر « نعم الكعب مؤلم، لكن الشعور بالأنوثة يغلب على المعاناة، وهو يعطي ثقة بالنفس، خاصة للسيدة الممتلئة، إذ يعطيها طولا يشعرها بجمال جسمها ». وتفضل آلاء الكعب الرفيع، وتقول إنه من النادر أن نرى سيدة بكعب عال غير واثقة، خاصة في العمل، فهو يعطي مكانة أكبر. ساشا صافي -وهي موظفة في شركة إعلانات- تقول « الكعب العالي يعطي شكلا جميلا للساقين، ويظهر المرأة أكثر جاذبية، ويفضله الرجال، لكن في عملنا الروتيني اليومي من الصعب تحمل الكعب طوال النهار، لذا فأنا أرتديه في المناسبات والخروج ». زهرا كريم مدرسة جامعية تقول « بالنسبة لطولي 160 سنتيمترا أفضّل الكعب العالي والرفيع فوق العشرة سنتيمترات، وهو مؤذٍ حتى أنه سبب لي مشكلة حقيقية في قدمي، فأنا مواظبة على ارتدائه منذ الصغر، ورغم وجود العديد من الأحذية المسطحة التي تليق بالمناسبات والتي تعطي شكلا مهنيا في العمل فإنني أفضل الكعب العالي لأنه أكثر أناقة ». ألكساندرا خوري -تعمل في قطاع التصوير- تجد أن الكعب العالي الرفيع أنيق وراقٍ لكنها تنزعج من ارتدائه يوميا فتحصره بالمناسبات، وتقول « الرجال يفضلون الكعب العالي بالإجمال، ولكن خطيبي لا مشكلة لديه بالحذاء الرياضي، وهذا مريح جدا ». ربى الضيقة -وهي مديرة محاسبة- تقول « الكعب العالي يعكس شخصية الأنثى وقوتها وشعورها بثقتها الداخلية ويغير لغة جسدها، ومن الممكن أن يكون أنيقا أو رخيصا بحسب الطريقة التي يرتدى بها، وهو ليس مجرد شكل مثير وطول أكثر، إنه أعمق بكثير ». تمشي المرأة بشكل مختلف عن الرجل، فبينما تنطوي مشية الذكور على سرعة أكبر وخطوات أطول يستعمل المزيد من حركة الرأس والجانب العلوي من الجسم فإن النساء يظهرن زيادة حركة الورك أثناء المشي. وفي دراسة نشرت بالمجلة الأكاديمية « التطور والسلوك الإنساني » تبحث عن كيفية تأثير ارتداء الكعب العالي على جاذبية الإناث، قارن علماء النفس بين النساء اللواتي يرتدين الأحذية المسطحة واللواتي يسرن في الكعب العالي من أجل تحديد ما إذا كان المشي في الكعب العالي يعزز جاذبية المشي، فوجدت الدراسة أن المشي الأنثوي يعتبر أكثر جاذبية عند ارتداء الكعب العالي. وتتوافق نتائج الدراسة مع النظرية القائلة إن ارتداء الكعب العالي يجعل المرأة تبدو أكثر جاذبية وأنوثة، لأن تأثير الكعب يعطي مبالغة في مشية الإناث من دوران أكبر للحوض، وزيادة الحركة في الورك، مع خطوات أقصر وعدد أكبر من الخطوات في الدقيقة تقول ماريلين مونرو: لا أدرى من ابتكر الكعب العالي لكن جميع النساء مدينات له، فهو يجعل المرأة 25% أكثر هيمنة، و50% أكثر أمانا ذاتيا، و100% أكثر إثارة. من الصعب العثور على أحذية جذابة بقدر ما هي مريحة رغم محاولات كثيرة لابتكارات كعوب عريضة تسبب ألما أقل، إذ يوزع ثقل الجسم ليس فقط على الكعب الرفيع المسمى الخنجر. ولم تتوقف دور الأزياء العالمية ومصممو الأحذية عن ابتكار أشكال لا تحصى، خاصة فيما يتعلق بشكل الكعب هندسيا، ولعل من أغربها تلك التي ابتكرتها المهندسة العراقية الراحلة زها حديد، فلقد أطلقت خيالها الأنثوي بتطرف في أشكال الأحذية بعد أن صممت العديد من الأحذية الرياضية. ورغم أن الكعب يعلو وينخفض ويتغير شكله مع تغيرات الحياة والموضة والتطور فإن الكعب العالي الكلاسيكي الرفيع المسمى خنجرا يبقى راسخا بثبات، جاعلا مشية المرأة إيقاعية بطيئة وواثقة. ويبدو أن الجمال يتخطى الألم ويجمّله، وستبقى الملايين من أحذية الكعب العالي تجد طريقها إلى دور الأزياء ورفوف المحلات وخزائن السيدات.